بسم الله الرحمن الرحيم

بسم الله الرحمن الرحيم

333

ويكيبيديا الموسوعة المروانية مروان طاهات MANT يرحب بكم

الأربعاء، 26 ديسمبر 2012

كم أحبك يا أمي


أكبر وأنا عند أمي صغير، وأشيب وأنا لديها طفل، هي الوحيدة التي نزفت من أجلي دموعها ولبنها ودمها، نسيني الناس إلا أمي، عقَّني الكل إلا أمي، تغيَّر عليَّ العالم إلا أمي، الله يا أمي: كم غسلتِ خدودكِ بالدموع حينما سافرتُ! وكم عفتِ المنام يوم غبتُ! وكم ودَّعتِ الرُّقاد يوم مرضتُ! الله يا أمي: إذا جئتُ من السفر وقفتِ بالباب تنظرين والعيون تدمع فرحاً، وإذا خرجتُ من البيت وقفتِ تودعينني بقلب يقطر أسى، الله يا أمي: حملتِـني بين الضلوع أيام الآلام والأوجاع، ووضعتِـني مع آهاتك وزفراتك، وضممتِـني بقبلاتك وبسماتك، الله يا أمي: لا تنامين أبداً حتى يزور النوم جفني، ولا ترتاحين أبداً حتى يحل السرور علي، إذا ابت! سمتُ ضحكتِ ولا تدرين ما السبب، وإذا تكدّرتُ بكيتِ ولا تعلمين ما الخبر، تعذرينني قبل أن أخطئ، وتعفين عني قبل أن أتوب، وتسامحينني قبل أن أعتذر، الله يا أمي: من مدحني صدقتِه ولو جعلني إمام الأنام وبدر التمام، ومن ذمني كذبتِه ولو شهد له العدول وزكَّاه الثقات، أبداً أنتِ الوحيدة المشغولة بأمري، وأنتِ الفريدة المهمومة بي، الله يا أمي: أنا قضيّتك الكبرى، وقصتكِ الجميلة، وأمنيتك العذبة، تُحسنين إليّ وتعتذرين من التقصير، وتذوبين عليّ شوقاً وتريدين المزيد، يا أمي: ليتني أغسلُ بدموع الوفاء قدميكِ، وأحمل في مهرجان الحياة نعليك، يا أمي: 
ليت الموت يتخطاكِ إليَّ، وليت البأس إذا قصدكِ يقع عليَّنفسي تحدثني بأنك متلفي روحي فداك عرفت أم لم تعرفِ يا أمي كيف أردّ الجميل لكِ بعدما جعلتِ بطنكِ لي وعاء، وثديك لي سقاء، وحضنكِ لي غطاء؟ كيف أقابل إحسانكِ وقد شاب رأسكِ في سبيل إسعادي، ورقَّ عظمكِ من أجل راحتي، واحدودب ظهركِ لأنعم بحياتي؟ كيف أكافئ دموعكِ الصادقة التي سالت سخيّة على خدّيكِ مرة حزناً عليَّ، ومرة فرحاً بي لأنك تبكين في سرّائي وضرّائي؟ يا أمي أنظر إلى وجهكِ وكأنه ورقة مصحف وقد كتب فيه الدهر قصة المعاناة من أجلي، ورواية الجهد والمشقة بسببـي، يا أمي أنا كلي خجل وحياء، إذا نظرت إليك وأنت في سلّم الشيخوخة، وأنا في عنفوان الشباب، تدبين على الأرض دبيباً وأنا أثبُ وثباً، يا أمي أنتِ الوحيدة في العالم التي وفت معي يوم خذلني الأصدقاء، وخانني الأوفياء، وغدر بي الأصفياء، ووقفتِ معي بقلبك الحنون، بدموعكِ الساخنة، بآ! هاتكِ الحارة، بزفراتكِ الملتهبة، تضمين، تقبّلين، تضمّدين، تواسين، تعزّين، تسلّين، تشاركين، تدْعين، يا أمي أنظر إليك وكلي رهبة، وأنا أنظر السنوات قد أضعفت كيانكِ، وهدّت أركانكِ، فأتذكر كم من ضمةٍ لكِ وقبلة ودمعة وزفرة وخطوة جُدتِ بها لي طائعةً راضيةً لا تطلبين عليها أجراً ولا شكراً، وإنما سخوتِ بها حبّاً وكرماً، أنظر إليك الآن وأنتِ تودعين الحياة وأنا أستقبلها، وتنهين العمر وأنا أبتدئه فأقف عاجزاً عن إعادة شبابك الذي سكبتِه في شبابي وإرجاع قوّتكِ التي صببتِها في قوّتي، أعضائي صُنِعت من لبنكِ، ولحمي نُسج من لحمكِ، وخدّي غُسِل بدموعكِ، ورأسي نبت بقبلاتكِ، ونجاحي تم بدعائك، أرى جميلك يطوّقني فأجلس أمامك خادماً صغيراً لا أذكر انتصاراتي ولا تفوقي ولا إبداعي ولا موهبتي عندك لأنها من بعض عطاياكِ لي، أشعرُ بمكانتي بين الناس، وبمنـزلتي عند الأصدقاء، وبقيمتي لدى الغير، ولكن إذا جثوتُ عند أقدامكِ فأنا طفلكِ الصغير، وابنكِ المدلّل، فأصبح صفراً يملأني الخجل ويعتريني الوجل، فألغي الألقاب وأحذف الشهرة، وأشطب على المال، وأنسى المدائح لأنك أم وأنا ابن، ولأنك سيّدة وأنا خادم، ولأنك مدرسة وأ! نا تلميذ، ولأنكِ شجرة وأنا ثمرة، ولأنكِ كل شيء في حياتي، فائذني لي بتقبيل قدميكِ، والفضل لكِ يوم تواضعتِ وسمحتِ لشفتي أن تمسح التراب عن أقدامكِ. ربِّ اغفر لوالدي وارحمهما كما ربّياني صغيراً
د عائض القرني
كم أحبك يا أمي

الأربعاء، 17 أكتوبر 2012

لماذا قالوا ذلك


الروائي الروسي " تولستوي"  
    أكد في مقالات عديدة أنه أحد المبهورين بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم الذي اختاره الله الواحد لتكون آخر الرسالات علي يديه، وليكون هو أيضا آخر الأنبياء   فيقول : " إن محمداً هو مؤسس ورسول " .
كان من عظماء الرجال الذين خدموا المجتمع الإنساني خدمة جليلة. ويكفيه فخراً أنه أهدى أمة برمتها إلي نور الحق ، وجعلها تجنح إلي السكينة والسلام، وتؤثر عيشة الزهد ومنعها من سفك الدماء وتقديم الضحايا البشرية، وفتح لها طريق الرقي والمدنية، وهو عمل عظيم لا يقدم عليه إلا شخص أوتي قوة، ورجل مثله جدير بالاحترام والإجلال .
أضاف " تولستوى": "يكفي محمداً فخراً أنه خلص أمة ذليلة دموية من مخالب شياطين العادات الذميمة، وفتح علي وجوههم طريق الرقي والتقدم. وأن شريعة محمد ستسود العالم لانسجامها مع العقل والحكمة .
لامارتين الشاعر فرنسا الشهير
   من ذا الذي يجرؤ من الناحية البشرية علي تشبيه رجل من رجال التاريخ بمحمد(صلى الله عليه وسلم )؟ ومن هو الرجل الذي ظهر أعظم منه عند النظر إلي جميع المقاييس التي تقاس بها عظمة الإنسان؟
فأعظم حب في حياتي هو أنني درست حياة محمد دراسة وافية، وأدركت ما فيها من عظمة وخلود.
 أضاف : "أي رجل أدرك من العظمة الإنسانية مثلما أدركه محمد؟! وأي إنسان بلغ؟ لقد هدم المعتقدات الباطلة التي تتخذ واسطة بين الخالق والمخلوق وإذا كانت الضوابط التي نقيس بها عبقرية الإنسان هي سمو الغاية والنتائج المذهلة لذلك رغم قلة الوسيلة.
فمن ذا الذي يجرؤ أن يقارن أيا من عظماء التاريخ الحديث بمحمد في عبقريته؟، هؤلاء المشاهير قد صنعوا الأسلحة وسنوا القوانين وأقاموا لإمبراطوريات فلم يجنوا إلا أمجاداً بالية لم تلبث أن تحطمت بين ظهرانيهم.... لكن هذا الرجل
محمدا" لم يقدم الجيوش ويسن التشريعات ويقم الإمبراطوريات ويحكم الشعوب ويروض الحكام فقط، وإنما قاد الملايين من الناس فيما كان يعد ثلث العالم حينذاك، ليس هذا فقط، بل إنه قضي علي الأنصاب والأزلام والأديان والأفكار والمعتقدات الباطلة... لقد صبر محمد وتجلد حتى نال النصر وكان طموحه موجهاً إلي هدف واحد، فلم يطمح إلي تكوين إمبراطورية أو ما إلي ذلك، حتى صلاته الدائمة ومناجاته لربه ووفاته وانتصاره حتى بعد موته كل ذلك لا يدل علي الغش والخداع بل يدل علي اليقين الصادق.
 آرنولد توينبي (المؤرخ البريطاني الكبير)
قال : "الذين يريدون أن يدرسوا السيرة النبوية سيجدون أمامهم من الأسفار ما لا يتوافر مثله للباحثين في حياة أي نبي من أنبياء الله الكرام.... إنني أدعو العالم إلي الأخذ بمبدأ الإخاء والمساواة الإسلامي، فعقيدة التوحيد التي جاء بها الإسلام هي أروع الأمثلة على فكرة توحيد العالم، وأن في بقاء الإسلام أملاً للعالم كله
كارل ماركس
قال : هذا النبي افتتح برسالته عصراً للعلم والنور والمعرفة، حري أن تدون أقواله وأفعاله بطريقة علمية خاصة، وبما أن هذه التعاليم التي قام بها هي وحي فقد كان عليه أن يمحو ما كان متراكماً من الرسالات السابقة من التبديل والتحوير، إن محمداً أعظم عظماء العالم. والدين الذي جاء به أكمل الأديان.
جوته ( شاعر ألمانيا الشهير)
  يقول معجباً بالقرآن و النبي "محمد" صلى الله عليه وسلم : "كلما قرأت القرآن شعرت أن روحي تهتز داخل جسمي، فهو كتاب الكتب وإني أعتقد هذا كما يعتقده كل مسلم فلم يعتر القرآن أي تبديل أو تحريف،
 وعندما تستمع إلي آياته تأخذك رجفة الإعجاب والحب، وبعد أن تتوغل في دراسة روح التشريع فيه لا يسعك إلا أن تعظم هذا الكتاب العلوي وتقدسه، وظني أن التشريع في الغرب ناقص بالنسبة للتعاليم الإسلامية، وإننا أهل أوروبا بجميع مفاهيمنا لم نصل بعد إلي ما وصل إليه محمد، وسوف لا يتقدم عليه أحد، وقد بحثت في التاريخ عن مثل أعلي لهذا الإنسان فوجدته في النبي العربي محمد .
برناردشو الكاتب الإنجليزي
قال الكاتب الإنجليزي المعروف برناردشو الذي حقق رسالة مُحَمَّد - عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ ، وحقق دينه، ودرس مبادئه ، وقد توفي سنة 1950م  :
 إن أوروبا الآن ابتدأت تحس بحكمة مُحَمَّد - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، وبدأت تعشق دينه، كما أنها ستبرئ العقيدة الإسلامية مما اتهمت به من أراجيف رجال أوروبا في العصور الوسطى، وسيكون دين مُحَمَّد هو النظام الذي يؤسس عليه دعائم السلام والسعادة، ويستند على فلسفته في حل المعضلات، وفك المشكلات والعقد،
 ثم قال: " وإن كثيرين من مواطني ومن الأوروبيين الآخرين يقدسون تعاليم الإسلام ، وكذلك يمكنني أن أؤكد نبوءتي فأقول : إن بوادر العصر الإسلامي الأوروبي قريبة لا محالة .
ويقول برنارد شو أيضاً : وأعتقد أن رجلاً كمُحَمَّد لو تسلم زمام الحكم في العالم بأجمعه اليوم لتم النجاح في حكمه، ولقاد العالم إلى الخير، وحل مشاكله على وجه يحقق للعالم كله السلام والسعادة المنشودة .
 كما قال برناردشو في أواخر حياته: "ولا يمضي مئة عام حتى تكون أوروبا ولاسيما إنجلترا وقد أيقنت بملائمة الإسلام للحضارة الصحيحة .
د. هانز كونج
عالم اللاهوت السويسري المعاصر د. هانز كونج والذي يعتقد أن المسيح إنسان ورسول فحسب يقول :
"محمد نبي حقيقي بمعنى الكلمة، ولا يمكننا بعد إنكار أن محمدًا هو المرشد القائد على طريق النجاة".
هربرت جورج ولز
وقال الكاتب والأديب البريطاني المعروف "هربرت جورج ولز" في كتاب "معالم تأريخ الإنسانية : " كل دين لا يسير مع المدنية فاضرب به عرض الحائط، ولم أجد دينا يسير مع المدينة أني سارت سوي دين الإسلام ".
القس لوزان
وقال القس لوزان بعد بيان عن أوصاف محمد ( صلى الله عليه وسلم)-:
 " فمُحَمَّد - بلا التباس ولا نكران من النَّبيّين والصديقين، بل وإنه نبي عظيم جليل القدر والشأن، لقد أمكنه بإرادة الله - سبحانه - تكوين الملة الإسلامية، وإخراجها من العدم إلى الوجود، بما صار أهلها ينيفون (يزيدون) عن الثلاثمائة مليون (يعني على ظنه في زمانه) من النفوس، وراموا بجدهم سلطنة الرومان، وقطعوا برماحهم دابر أهل الضلالة، إلى أن صارت ترتعد من ذكرهم فرائص الشرق والغرب .
جونس أوركس الأديب الإنجليزي
    قال جونس أوركس الأديب الإنجليزي: "لم نعلمْ أن مُحَمَّداً نبيَّ الإسلامِ - صلواتُ اللهِ وسلامُهُ عَلَيْهِ - تسربل بأي رذيلة مدة حياته .
غوستاف لوبون الفرنسي
    قال غوستاف لوبون الفرنسي: "إن مُحَمَّداً - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ - رغم ما يُشاع عنه (يعني من قبل المخالفين له في أوروبا) قد ظهر بمظهر الحلم الوافر، والرحابة الفسيحة إزاء أهل الذمة جميعا .
بورست سميث
    وقال بورست سميث: إني صميم الاعتقاد على أنه سيأتي يومٌ يتفق فيه القومُ وزعماء النصرانية الحقَّة على أنَّ مُحَمَّداً - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ - نبي، وأن الله - عَزَّ وجَلَّ - قد بعثه حقاً .
توماس كارليل
وقال توماس كارليل في كتابه  (الأبطال وعبادة البطل ) 
   إن العار أن يصغي الإنسان المتمدن من أبناء هذا الجيل إلي وهم القائلين أن دين الإسلام دين كذب، وأن محمداً لم يكن علي حق، لقد آن لنا أن نحارب هذه الادعاءات السخيفة المخجلة؛ فالرسالة التي دعا إليها هذا النبي ظلت سراجاً منيراً أربعة عشر . قرناً من الزمن لملايين كثيرة من الناس،
 فهل من المعقول أن تكون هذه الرسالة التي عاشت عليها هذه الملايين وماتت أكذوبة كاذب أو خديعة مخادع؟
     ولو أن الكذب والتضليل يروجان عند الخلق هذا الرواج الكبير لأصبحت الحياة سخفاً وعبثاً، وكان الأجدر بها أن لا توجد... إن الرجل الكاذب لا يستطيع أن يبني بيتاً من الطوب لجهله بخصائص البناء، وإذا بناه فما ذلك الذي يبنيه إلا كومة من أخلاط هذه المواد، فما بالك بالذي يبني بيتاً دعائمه هذه القرون العديدة وتسكنه مئات الملايين من الناس،
     وعلى ذلك فمن الخطأ أن نعد محمداً كاذباً متصنعاً متذرعاً بالحيل والوسائل لغاية أو مطمع، فما الرسالة التي أداها إلا الصدق والحق وما كلمته إلا صوت حق صادر من العالم المجهول وما هو إلا شهاب أضاء العالم أجمع.
    ذلك أمر الله و"إن طبيعة محمد الدينية تدهش كل باحث مدقق نزيه المقصد بما يتجلي فيها من شدة الإخلاص، فقد كان محمد مصلحاً دينياً ذا عقيدة راسخة
جيمس متشتر
      قال جيمس متشتر: "إن مُحَمَّداً رسول الإسلام - عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ - هذا الرجل الملهم الذي أقام الدين الإسلامي، ولد حوالي سنة 570م في قبيلة عربية كانت تعبد الأصنام، وكان محباً للفقراء والأرامل، واليتامى والأرقاء والمستضعفين،
     وقد أحدث مُحَمَّد - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ -بشخصيته الخارقة للعادة ثورة في شبه جزيرة العرب وفي الشرق كله، فقد حطم الأصنام بيديه، وأقام ديناً يدعو إلى الله وحده، كما رفع عن المرأة قيد العبودية التي فرضتها عليها تقاليد الصحراء .

الثلاثاء، 12 يونيو 2012

سلسلة المملكة الخفية التي تحكم العالم


سلسلة المملكة الخفية التي تحكم العالم 


العولمة وآثارها الثقافية


العولمة وآثارها الثقافية
المقدمة
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله وخيرته من خلقه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين وسلم تسليمًا أما بعد:
فإن ظاهرة العولمة الثقافية من أهم القضايا المعاصرة التي امتد تأثيرها ليشمل قطاعات واسعة جدًّا من أبناء المسلمين وبناتهم.
ونظرًا لتأثيرها المباشر على العقيدة الإسلامية، والمبادئ والقيم الدينية المستمدة من كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فقد رغبت في دراستها آخذًا بعين الاعتبار انقسام الباحثين في موقفهم منها إلى: طرفين ووسط؛ فمنهم من رآها شرًّا محضًا يجب رده بالكلية دون استبصار رشيد بمضمونها وآثارها، ومنهم من رآها  خيرًا كبيرًا وفرصة واعدة لنشر الثقافة الإسلامية والتحاور مع أصحاب الثقافات الأخرى .
وتوسط قوم فدرسوا هذه الظاهرة بإنصاف وتجرد, وفرقوا بين وسائلها وبين مضمونها, كما فرقوا بين دعايات مروِّجيها وبين واقعها الحقيقي, وثمة سؤال يطرح أحيانًا بين الباحثين: هل العولمة الثقافية قدر نافذ لا سبيل إلى رده أو دفعه، أم أنها مجرد نمر من ورق يوشك أمره على الافتضاح؟ هذا ما سأحاول الإجابة عليه من خلال الصفحات التالية.سائلاً الله الإعانة والتوفيق والهداية والرشاد.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

الفصل الأول: مفهوم العولمة وعلاقتها بالعقيدة
المبحث الأول: تعريف العولمة ومفهومها:
"العولمة" مصطلح معرّب لم ينشأ أساسًا في البيئة العربية المسلمة، ولابد  لفهم معناه من الرجوع إلى من أطلقه وأشاعه والتعرف على مقصوده به قبل النظر في الأصل اللغوي لكلمة: العولمة في اللغة العربية([1]).
وبالرجوع إلى قاموس وبسترز "websters" نجد أن تعريف العولمة Globalization   هو: إكساب الشيء طابع العالمية وبخاصة جعل نطاق الشيء أو تطبيقه عالميًّا([2]).
ويرى الدكتور عبد الصبور شاهين - وهو عضو مجمع اللغة العربية - أن أصل كلمة (عولمة) هو (عالَم) ويفترض لها فعلاً هو: عَوْلَـمَ يُعَوْلِـمُ عَوْلَـمَةً وذلك بالتوليد القياسي من المصدر الصناعي (عَولمية)([3]). وليست عالمية؛ لأن العالمية منسوبة إلى العالم وهو: عبارة عما يُعلم به الشيء كما يقول الجرجاني([4]).
أما العولمة فتتضمن معنى الإحداث والإضافة([5]) والفرض والإلزام, وبعبارة أخرى فإن: "العالمية رؤية وأمل وتطلع إلى نقل الخاص إلى المستوى العالمي, أما العولمة فهي احتواء للعالم"([6]).
ويعترض بعض الباحثين على استخدام كلمة "عولمة" باعتبارها نشازًا في اللغة، ويفضلون استخدام مصطلحات أخرى مثل: كوكبة وكونية([7]).
لكن مجموعة أخرى من الباحثين - منهم ناصر الدين الأسد وغيره - لا يرون بأسًا من استعمال كلمة: العولمة فالوزن الصرفي فوعل من أبنية الموازين الصرفية كحوقل بمعنى ضعف ومصدره السماعي حيقال, فما جرى على كلام العرب فهو من كلام العرب([8]).
وثمة إشكالية يواجهها كل باحث عن تعريف العولمة تتعلق بالتباين الشديد, وعدم وجود تعريف متفق عليه بين الباحثين, واختلاف التعريف باختلاف توجهات المعرِّفين ومفهومهم الشخصي للعولمة([9]).
 وهو ما حدا بأحد المعلِّقين في مؤتمر فكري عقد في القاهرة حول العولمة في عام 1998م إلى القول: لقد خرجنا من المؤتمر بأسئلة أكثر مما دخلنا فيه وبحيرة أكثر عن العولمة. وقد انتهى المؤتمر وكل واحد يفهم العولمة بغير ما يفهمها الآخر وكل وقف عند فهمه([10]).
وعلى الرغم من كون هذا المصطلح جديدًا حيث أشار قاموس إكسفورد للكلمات الإنجليزية الجديدة إلى مفهوم العولمة للمرة الأولى عام 1991م ووصفه بأنه من الكلمات الجديدة التي ظهرت خلال التسعينات([11]) إلا أن لكل باحث لهذا الموضوع تقريبًا تعريفًا خاصًّا به([12]).
وقد أحصى أحد الباحثين حتى عام 1422هـ - 2001م (434) دراسة تحمل في عنوانها اسم: العولمة على قائمة شركة "أمازون" والتي تعد الآن أكبر مكتبة في العالم لبيع الكتب من خلال الإنترنت([13]).
فإذا أضفنا لذلك الكم الكبير من الدراسات التي ظهرت عن العولمة بعد ذلك التاريخ وميل كثير من الباحثين إلى ابتداع تعريف جديد للعولمة في دراساتهم؛ فإننا ندرك حينئذٍ حجم الإشكالية التي يواجهها الباحث عن تعريف دقيق للعولمة.
ومن أبرز تعريفات العولمة التي وقفت عليها([14]):
1- إخضاع العالم لقوانين مشتركة تضع حدًّا فيه لكل أنواع السيادة .
2- صياغة جديدة لخطوات إطارية قديمة غرضها الباقي المستمر هو تكريس الهيمنة الثقافية والاقتصادية والسياسية للقوى وتوطيدها.
3- سيادة النمط الغربي في الثقافة والاقتصاد والحكم والسياسة في المجتمعات البشرية كلها.
4- استعمار جديد أقل تكلفة من سابقه.
5- صيرورة العالم واحدًا([15]).
6- توجه ودعوة تهدف إلى صياغة حياة الناس لدى جميع الأمم ومختلف الدول وفق أساليب ومناهج موحدة بين البشر، وإضعاف الأساليب والمناهج الخاصة([16]).
ويلاحظ من خلال التعريفات السابقة التركيز على معنى الهيمنة والإخضاع عند المنتقدين للعولمة بناء على خلفيتهم الثقافية؛ إلا أن بعض التعريفات نحت منحى آخر يركز على جوانب التفاعل والتقارب بين الأمم والشعوب، ومن أمثلة ذلك:
1- التبادل الثقافي والتجاري وغيرها للتقارب والاستفادة المتبادلة([17]).
2- التداخل الواضح لأمور الاقتصاد والاجتماع والسياسة والسلوك دون اعتداد يذكر بالحدود السياسية للدول ذات السيادة أو انتماء إلى وطن محدد أو لدولة معينة ودون حاجة إلى إجراءات حكومية([18]).
3- سهولة حركة الناس والمعلومات والسلع بين الدول على النطاق الكوني([19]).
4- اندماج أسواق العالم في حقول التجارة والاستثمارات المباشرة وانتقال الأموال والقوى العاملة والثقافات والتقانة ضمن إطار من رأسمالية حرية الأسواق([20]).
5- مرحلة جديدة من مراحل بروز وتطور الحداثة تتكثف فيها العلاقات الاجتماعية على الصعيد العالمي حيث يحدث تلاحم غير قابل للفصل بين الداخل والخارج، ويتم فيها ربط المحلي والعالمي بروابط اقتصادية وثقافية وسياسية وإنسانية"([21]).
6- دمج سكان العالم اقتصاديًّا وثقافيًّا وسياسيًّا في مجتمع عالمي واحد بحيث يصبح كل من على كوكب الأرض جيرانًا في عالم واحد([22]).
ويبدو أن هذه المجموعة الأخيرة من المعرفين مالت إلى الجانب النظري والشعارات المعلنة لمسيري العولمة اليوم. ونظرت بطريقة مثالية غير واقعية؛ لأن هذا التبادل الثقافي والتجاري والدمج العادل بين سكان العالم لا يحصل إلا بين الأنداد المتقاربين في القوة فإنهم حينئذٍ يمتلكون القدرة على الاختيار والانتقاء، أو الرفض والإباء.
أما المجموعة الأولى من المعرفين فقد غلبت الجانب الواقعي الذي نعيشه اليوم للعولمة؛ لأن الأقوياء فقط - وهم قلة - يختارون ما يفرضونه على الضعفاء وهم كثرة، فيفرضون التبعية الثقافية والسياسية والاقتصادية، وفي رأيي فإن هؤلاء المعرفين كانوا أدق في إصابة الهدف ووصف العولمة كما هي لا كما يروج عنها، ومن هنا فيمكن أن يكون التعريف المختار للعولمة من وجهة نظري هو: صبغ العالم بصبغة واحدة هي الصبغة الغربية وتحديدًا الأمريكية في الثقافة، وطريقة التفكير، والسياسة، والاقتصاد, وفرض ذلك على العالم بالقوة.
المبحث الثاني: العلاقة بين الثقافة والعولمة:
معظم الباحثين يعدون الثقافة مجرد مجال من مجالات العولمة شأنها في ذلك شأن السياسة والاقتصاد.
إلا أن نظرة فاحصة لأهداف العولمة وبرامج من يسعون في صبغ العالم بها تؤكد عدم دقة هذه النظرة ذلك أن العولمة الثقافية هي الهدف النهائي, وما العولمة الاقتصادية والسياسية إلا وسائل للوصول إلى هذا الهدف, ومن الشواهد الواضحة على ذلك السعي إلى فرض القيم التي تحملها الثقافة الأمريكية اليوم على الأمم الأخرى, ومنها الأمة المسلمة وما يتبع ذلك من استخدام السياسة والاقتصاد كوسائل لتحقيق هذا الهدف؛ فمنزلة الثقافة من العولمة بمنزلة الرأس من الجسد.
وترجع أهمية الثقافة إلى أنها تعبير عن الهوية المستقلة لمجتمع ما, ولكون العولمة تقتضي الذوبان والتلاشي للهويات المستقلة ليصير العالم واحدًا؛ فلابد إذن من طمس الثقافة المحلية بما تحمله من قيم وأخلاق وعقائد.
وعلى الرغم من ذلك الحشد الهائل من التعريفات للثقافة حيث أحصى: كوبيركهون (164) تعريفًا للثقافة, إلا أن ثمة إجماعًا بين كل هؤلاء المعرفين على إدخال العقائد، والأخلاق، والعلوم، والقيم ضمن معنى الثقافة, ومن بين هذه التعريفات:
1- تعريف المجمع اللغوي: جملة العلوم والمعارف التي يُطلب الحذق بها([23]).
2- تعريف الدكتور عبد الحليم عويس: التراث الحضاري والفكري في جميع جوانبه النظرية والعملية الذي تمتاز به أمة ويُنسب إليها، ويتلقاه الفرد من الميلاد إلى الوفاة من ثمرات الفكر والعلم والفن والقانون والأخلاق([24]).
3- وعند أهل التربية فإن الثقافة هي: "مجموعة الأفكار والمثل والتقاليد والعادات والمهارات وطريقة التفكير وأساليب الحياة والنظام الأسري وتراث الماضي.. ووسائل الانتقال والاتصال وطبيعة المؤسسات الاجتماعية في المجتمع الواحد"([25]).
4- تعريف الدكتور برهان غليون:مجموعة المعارف والاعتقادات والقيم والأخلاق والعادات التي يكتسبها من جرَّاء انتمائه لجماعة من الجماعات([26]).
5- تعريف الأمريكي كلبا ترك: كل ما صنعته يد الإنسان وعقله من مظاهر البيئة الاجتماعية([27]).
6- تعريف الأمريكي تيلر: ذلك الكل المعقد الذي ينطوي على المعرفة والعقائد والفن والأخلاق والقانون والعرف وغير ذلك([28]).
وقد تعمدت اختيار تعريفات لمعرفين شتى منهم المسلم ومنهم غير المسلم، ومنهم المتخصص في العلوم الشرعية، ومنهم التربوي, ومنهم اللغوي؛ لتأكيد إجماعهم على دخول القيم والعقائد والأخلاق ضمن نطاق الثقافة؛ بل لقد ذهب (إليوت) إلى أن الثقافة ليست إلا تجسيدًا للدين، وأكد "أرنولد" على أن الدين جزء من أجزاء الثقافة([29]).
ويلاحظ بأن بعض التعريفات يقصر الثقافة على الإنتاج الذهني العقلي العالي المستوى المعترف به من المختصين, وبعضهم يتجوز فيوسع الدائرة قليلاً لتشمل كل النشاطات الذهنية الحية والموروثة, وبعضهم يزيد الدائرة اتساعًا فيدخل النشاطات الجسدية التي تصنع لدى جماعة معينة طريقة مميزة في السلوك والحياة([30]).
وأيًّا ما كان الأمر فإن صهر كل الثقافات في ثقافة واحدة بفعل العولمة يقتضي بالضرورة محاربة الثقافة القوية بأدواتها المادية للثقافات الأخرى التي تعاني من ضعف القوة المادية.
ويوم إن كان هناك حد أدنى من التكافؤ المادي لم تنجح محاولات صبغ العالم بصبغة ثقافية واحدة على الرغم من كون العولمة مصطلحًا حادثًا؛ إلا أن مفهوم العولمة ليس بحادث, فلقد كان الاستعمار في مفهومه محاولة لفرض هيمنة الثقافة والاقتصاد الغربي على الأمم الأخرى؛ بل إن منظمة (اليونسكو) بذاتها إنما أنشئت كما يقول أول مدير عام لها جوليان هكسلي: "لكي تُساعد في خلق ثقافة عالمية موحدة تنطوي على تصور فلسفي خاص وخلفية معينة من الأفكار وخطط طموحة، فهي تهدف إلى بلورة أيد لوجيه عالمية"([31]).
لكن هذا الواقع قد تداعى بزوال الحد الأدنى من التكافؤ المادي بين الأمم وفي أعقاب حدثين عالميين بالذات:
أولهما: "سقوط المعسكر الشرقي الذي اتخذ من سقوط حائط برلين رمزًا له عام 1989م، والذي أنهى فترة من الحرب الباردة بين المعسكرين (وارسو/الأطلسي)...والثاني: حرب الخليج الثانية في عام 1991م وهي حرب شبه عالمية لكن من طرف واحد ودون تكافؤ في القوى... وهذان الانتصاران أتاحا لأمريكا نوعًا من السيادة العالمية مستغلة تقدمها التقني والاقتصادي وقوتها العسكرية"([32]) في تحقيق الجزء الأهم من أهدافها وهو نشر ثقافتها تحت شعار العولمة.
وفي هذا السياق فإن تعريف العولمة الثقافية بـ: محاولة مجتمع تعميم نموذجه الثقافي على المجتمعات بوسائل سياسية, واقتصادية, وثقافية, وتقنية متعددة([33]). ليس تعريفًا دقيقًا؛ لأن جميع المجتمعات تشترك في هذه المحاولة لتعميم نموذجها الثقافي حتى المجتمع المسلم, ومع ذلك فإن ذلك لا يعدُّ عولمة بل عالمية ارتبطت بالثقافة الإسلامية منذ بداياتها حين نزل قول الله تعالى: (وما أرسلناك إلا رحمةً للعالمين)([34]) وقوله تعالى: (وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرًا ونذيرًا)([35]) وقوله تعالى: (قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعًا)([36]).
وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: "كان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس كافة"([37]). فحتى لو كان اليهود والنصارى المنتسبون إلى موسى وعيسى عليهما السلام – مستمسكين بدينهم الحق لما جاز لهم أن يجعلوا منهما دينين عالميين بعد نزول الدين الخاتم ؛ لأن الله تعالى إنما أرسل هذين الرسولين إلى قومهما خاصة وإلى فترة محدودة"([38]).
ومن هنا فإن هذه العالمية لم تدفع الأمة المسلمة إلى فرض ثقافتها بالقوة على الآخرين؛ لأن العالمية "طموح إلى الارتفاع بالخصوصية إلى مستوى عالمي فهي تفتح، أما العولمة فهي اختراق ثقافي بالقوة المادية للقضاء على نواة الثقافة المغايرة فهي احتواء"([39]).
بل إن الثقافة الإسلامية تقر بالاختلاف الثقافي وتعدّه سنة إلهية في الأمم والشعوب كما في قوله تعالى: (ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم)([40]).
وقال تعالى: (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين)([41]).
وقال تعالى: (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرًا)([42]).
هذه النصوص وغيرها تؤكد على أن الثقافة الإسلامية أقرت الخصوصيّة الثقافية لكل مجتمع بشري على الصعيد النظري والعملي، وليس على الصعيد النظري فقط كما هو الحال في الثقافة الغربية المعاصرة فإن الله عزَّ وجلَّ كفل لغير المسلم الحرية في البقاء على دينه ومعتقده وهو أهم مقومات ثقافته: قال تعالى: (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي)([43]).
قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: "أي لا تكرهوا أحدًا على الدخول في دين الإسلام فإنه بيّن واضح، جلي دلائله وبراهينه، لا يحتاج إلى أن يكره أحد على الدخول فيه"([44]).
ولحظ الدكتور يوسف القرضاوي فرقًا مهمًّا بين مضمون العولمة العالمية من حيث إن العالمية في الإسلام تقوم على تكريم بني آدم جميعًا واستخلافهم في الأرض، وتسخير ما في السموات والأرض لهم جميعًا، والمساواة بينهم في أصل الإنسانية والتكليف والمسؤولية واشتراكهم جميعًا في العبودية لله تعالى وفي البنوّة لآدم دون إلغاء لخصوصيات الشعوب، أما العولمة فهي فرض هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية على العالم كسيدة لعالم من العبيد([45]).
وعلى الصعيد العملي فقد احتفظت الأقليات غير المسلمة في بلاد المسلمين بخصوصيتها الثقافية، وشمل ذلك بالطبع احتفاظها بدينها ومعتقدها كما حصل للنصارى في الشام ومصر والأندلس وتركيا الذين احتفظوا بهويتهم الثقافية المستقلة رغم مرور القرون المتوالية تحت حكم الدول المسلمة، في حين يجاهد المسلمون اليوم في المجتمعات الغربية للاحتفاظ بهويتهم إلى حد أن الحجاب للفتيات المسلمات في فرنسا أضحى رمزًا دينيًّا غير مسموح به في المدارس الحكومية بقانون أقرته أغلبية كبيرة من نواب الشعب.
المبحث الثالث: البعد العقدي للعولمة الثقافية:
العقيدة الدينية هي الأساس الذي تقوم عليه كل ثقافة من الثقافات المعاصرة والقديمة, والدين هو أول مقوم من مقومات الثقافة([46]) فهو يُحدد لكل ثقافة شخصيتها واتجاهها المستقل من خلال العقيدة التي تعتبر أهم العوامل الدافعة إلى نشر ثقافة من الثقافات بغض النظر عن المسمى الذي تحمله؛ "كالفلسفة" و"النظام" و"النظرة إلى الحياة" و"الأيدلوجيا" وبغض النظر كذلك عن كون هذه العقيدة سماوية في أصلها ثم لحقها التحريف؛ كاليهودية والنصرانية, أو أرضية بشرية؛ كالليبرالية والعلمانية, وهذا الأمر واضح جدًّا عند قادة الفكر والسياسة في العالم الغربي اليوم لدرجة أن "أيوجين دوستو" مساعد وزير الخارجية الأمريكي ومستشار الرئيس الأمريكي الأسبق (جونسون) قبل أكثر من سبع وثلاثين سنة يقول وبوضوح: "إن الظروف التاريخية تؤكد أن أمريكا إنما هي جزء مكمل للعالم الغربي: فلسفته, عقيدته,ونظامه..., وذلك يجعلها تقف معادية للشرق الإسلامي بفلسفته وعقيدته المتمثلة بالدين الإسلامي، ولا تستطيع أمريكا إلا أن تقف هذا الموقف في الصف المعادي للإسلام وإلى جانب العالم الغربي والدولة الصهيونية؛ لأنها إن فعلت عكس ذلك؛ فإنها تتنكر للغتها وفلسفتها وثقافتها ومؤسساتها"([47]).
ولمعرفة مدى تغلغل البعد العقدي في نظرة كبار الساسة المسيرين لتيار العولمة الثقافية فإنه يكفي التذكير بما اعتبر زلة لسان شهيرة للرئيس الأمريكي جورج بوش الابن حين أعلن عن إطلاق حرب صليبيَّة جديدة ضد ما أسماه بالإرهاب، وسواء أكانت زلة لسان أم أمرًا مقصودًا؛ فإن هذا البعد العقدي الكامن في النفس ظهر في خطاب عالمي داعم لعولمة الثقافة([48])، وقد كان "جون أشكروفت" وزير العدل الأمريكي أكثر صراحة في التعبير عن هذا البعد العقدي حين قال في مقابلة أجراها معه الصحفي الأمريكي (كال توماس): "الإسلام ديانة يطالبك فيها الرب بأن تُرسل ولدك ليموت من أجله، والمسيحية هي عقيدة يُرسل فيها الرب ولده ليموت من أجلك"([49]) ومثله فعلت (كوندا ليزا رايز) مستشارة الرئيس الأمريكي للأمن القومي حين قالت: "إن المبادئ الأمريكية ينبغي أن تشمل الإسلام ولا تقف عند حدود الدول الإسلامية"([50]).
وفي هذا السياق يمكن فهم أسباب قيام منظمة (بذور السلام) الأمريكية بدعوة مائة شاب وفتاة من المسلمين واليهود إلى أمريكا، وتنظيم حفلات وزيارات تهدف إلى كسر الحواجز الدينية والعرقية بينهم، وتذويب الشعور بالانتماء لعقيدة غير عقيدة مسيري العولمة الثقافية مما حدا بالرئيس الأمريكي السابق: "بيل كلنتون" إلى استقبالهم في البيت الأبيض ومخاطبتهم قائلاً: "أريد أن أرحب بكم هنا في البيت الأبيض أيها الشباب من جميع أنحاء الشرق الأوسط, فلدينا هنا الإسرائيلي, والفلسطيني, والمصري, والمغربي, والأردني جاء هؤلاء الشباب معًا إلى بلدنا كسفراء يمثلون جيلاً بأكمله"([51]).
بل إن هذا الوفد قام بزيارة لمعبد يهودي وأقام فيه صلاة مشتركة بين الشباب المسلمين واليهود, ثم قام الوفد بزيارة مركز إسلامي أقام فيه صلاة مشتركة كذلك([52]).
إن البعد العقدي حاضر وبقوة في كل نشاطات العولمة الثقافية؛ بل إنه هو المقصد النهائي لتيار العولمة المعاصر، وقد أفاض الدكتور يوسف الحسن في حشد الشواهد على "البعد الديني في السياسة الأمريكية" ولا سيما تجاه الصراع مع الصهاينة([53]) وكذلك فعل كمال السعيد حبيب في مقال له بعنوان: "البعد العقدي في العلاقة بين الإسلام والغرب"([54]).
وهو أمر يعرفه كل مسلم متدبر لقول الله تعالى: (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم)([55]) وقوله تعالى: (إن يثقفوكم يكونوا لكم أعداء ويبسطوا إليكم أيديهم وألسنتهم بالسوء وودوا لو تكفرون)([56]).
ويجدر التأكيد هنا على أن أهمية العقائد تنبع من أمور أبرزها ما يلي ([57]):
1- العقائد هي الركائز والأسس التي تقوم عليها المبادئ والثقافات.
2- العقائد تستولي على نفوس أصحابها وتدفعهم لبذل أموالهم وأنفسهم في سبيل تحقيق ما يعتقدونه وهم راضون مطمئنون، وليس ذلك خاصًّا بأهل العقيدة الإسلامية؛ بل يشترك معهم في ذلك كثير من أصحاب العقائد الباطلة الذين يضحون بأنفسهم وأموالهم في سبيل ما يعتقدون.
3- ضلال الإنسان في معتقده يجلب له البلاء والضلال والخسران الذي لا يعادله شيء، ومن هنا فالتلبيس على الناس في معتقداتهم بفعل تيار العولمة الثقافية الطاغي أمر شديد الخطورة؛ لأن المخدوع يظن أنه على عقيدة صحيحة لكثرة الترويج لها حتى يفاجأ بضلاله ولات حين مندم كما قال تعالى: (قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالاً الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنًا)([58]).
وقال تعالى: (وجوه يومئذ خاشعة عاملة ناصبة تصلى نارًا حامية)([59]).
4- أعظم اختلاف حصل على مدار التاريخ هو الاختلاف حول قضايا الاعتقاد، ولذلك كانت أعظم مهمات الرسل تصحيح عقائد البشر وتصوراتهم عن الله والكون والحياة.
5- وقوف الكثير من القوى المسيطرة وراء العقائد الفاسدة التي ينتمون إليها لتمكين سلطانهم وتعبيد الشعوب لهم ولأنظمتهم من دون الله تعالى.
إن الوعي العقدي مهم للغاية في بناء الثقافة المستقلة([60])؛ لكن العولمة الثقافية المعاصرة تسعى إلى طمس هذا الوعي وإعادة تشكيل رؤى الناس وتصوراتهم للحياة على أساس البعد العقدي للثقافة الغربية المعاصرة في نسختها الأمريكية تحديدًا "ولعل أخطر ما استهدفه الغرب هو هدم شخصية الأمة هدمًا عقديًّا وحضاريًّا، ولا يخفى أن انهدام الشخصية يساعد على قبول الزيف والأباطيل كما يدفع إلى التبعيَّة، ولهذا كان لابد إذا رغبت الأمة أن لا تؤثر فيها مخططات المتربصين أن تبني شخصيتها على المعياريّة الإسلامية.. فالأمة الإسلامية هي أمة المعيار التي وكل الله إليها أمر الشهادة على الناس والقيادة لهم بما تمتلك من قيم معصومة محفوظة في الكتاب والسنة"([61]).
الفصل الثاني: وسائل فرض العولمة الثقافية وآثارها
المبحث الأول: وسائل فرض العولمة الثقافية:
تساءل الدكتور/ محمد الحاجي عن علاقة العولمة بالثقافة:
أهي "عولمة ثقافية أم اختراق ثقافي([62]) وفي حين أن الباحث عبد الله أبو راشد يرى أن العولمة الثقافية هي "محاولة مجتمع ما تعميم نموذجه الثقافي على المجتمعات الأخرى.. من خلال الاختراق الثقافي واستعمال العقول واحتواء الخبراء"([63]).
فإن "جوزيف. س. ناي" وجون. د. دوناهيو" يعبران عن هذا الاختراق بـ "القوة اللينة للثقافة الشعبية الأمريكية([64]).
ويصرح "توماس فريدمان" بأن: "العولمة من الناحية الثقافية هي إلى حد بعيد ولكن ليس بصورة شاملة انتشار للأمركة.. على نطاق يشمل العالم"([65]).
ولابد هنا من التفريق بين نشر الشيء وانتشاره على نطاق واسع كما عبر فريدمان وغيره وبين فرض الشيء وإلزام الآخرين به حيث سلك تيار العولمة الثقافية المعاصر سبيل الفرض والإلزام من خلال الضغط المستمر لتغيير الثقافات المحلية واستبدالها بالثقافة الغربية وتحديدًا الأمريكية تحت طائلة الجزاء والعقوبة الإعلامية والاقتصادية والسياسية، بل وفي بعض الأحيان العسكرية.
ومع أن جذور الدعوة إلى عولمة الثقافة والفكر وتأثر بعض المثقفين المنتسبين إلى الأمة الإسلامية بهذه الدعوات ليس أمرًا جديدًا طارئًا إلى حد أن عبد العزيز الثعالبي ألف كتابًا قبل مائة سنة تقريبًا أي في عام 1905م أسماه "روح التحرر في القرآن" دعا فيه إلى تأويل القرآن تأويلاً صحيحًا وحقيقيًّا وإنسانيًّا واجتماعيًّا "أي باختصار تأويلاً مطابقًا لمبادئ الثورة الفرنسية التي هي نفس المبادئ التي جاء بها القرآن"([66]) ودعا فرنسا "التي أعلنت مبادئ الثورة وحقوق الإنسان والمواطن والتي يرجع إليها أول سبب من أسباب ما تشهده مصر اليوم([67]) من نهضة ورقي وتقدم حضاري باهر" إلى المبادرة ببعث تلك الحركة السخية – حركة النهضة – ومنح المسلمين ما يستحقونه من كرامة.. بتخليص العقلية الإسلامية من شوائب الجهل والأوهام والتعصب"([68]) وهي دعوة مبكرة إلى عولمة الثقافة لكن فرنسا التي كانت تتبع المثل الإنجليزي الشهير (بطيء لكنه أكيد) لم تُبد حماسًا للتجاوب مع هذه الدعوة؛ إلا أن وريثة الحضارة الغربية المعاصرة وهي الولايات المتحدة الأمريكية لم تعد تطيق في عصر السرعة تطبيق هذا المثل واعتمدت سياسة حرق المراحل وفرض ثقافتها بالقوة اللينة كما عبر" ناي ودو ناهيو"([69]) حينًا وبالقوة المباشرة حينًا آخر وهو ما دعا الرئيس الأمريكي السابق بيل كلنتون إلى أن يقول: "إن أمريكا تؤمن بأن قيمها صالحة لكل الجنس البشري، وإننا نستشعر أن علينا التزامًا مقدسًا لتحويل العالم إلى صورتنا"([70]) وقد تمت ترجمة هذا الالتزام المقدس بنقل القيم الأمريكية وهي من صميم الثقافة كما لا يخفى إلى المجتمعات البشرية عبر وسائل متعددة منها:
أولاً: الإعلام الموجه:
في دراسة أجراها مالك الأحمد عن عولمة الإعلام([71]) توصل الباحث إلى أن ست شركات عملاقة فقط تهيمن على وسائل الإعلام العالمي وبالذات القنوات الفضائية التلفزيونية وذلك حسب الترتيب التالي:
1- مجموعة تايم ورنر (time warner):
أكبر شركة إعلامية في العالم تفوق مبيعاتها 25مليار دولار في السنة، وتملك بعض القنوات التلفزيونية المؤثرة أشهرها CNN التي بلغ من قوة تأثيرها في صياغة الرأي العام العالمي في الثقافة والسياسة إلى حد جعل الأمين العام السابق للأمم المتحدة بطرس غالي يعدها العضو رقم 16 في مجلس الأمن([72]).
2- مجموعة برتلزمان (Bertels man):
أكبر مجموعة إعلامية في أوربا تفوق مبيعاتها السنوية 15 مليار دولار, وتمتلك عدة قنوات تلفزيونية في ألمانيا وفرنسا وبريطانيا إضافة إلى 45 دار نشر وأكثر من 100 مجلة.
3- مجموعة فيا كم (Viacom):
مجموعة أمريكية قوية دخلها السنوي يبلغ 13 مليار دولار وتمتلك 13 محطة تلفزيونية أمريكا ومنها: شو تايم التي تعتمد الانحلال والتعري جزءًا رئيسيًّا من سياستها في عولمة الثقافة الأمريكية.
4- مجموعة دزني (Disny):
دخلها يفوق 24 مليار دولار، وهي أكبر منتج لمواد الأطفال في العالم وتملك شبكة ABC التلفزيونية إضافة إلى مجموعة من القنوات الفضائية.
5- مجموعة نيوز كور بريشن (News Corporation):
تعد اليوم أكبر لاعب دولي في مجال الإعلام حول العالم، وتملك شركة فوكس للإنتاج السينمائي والبث التلفزيوني وشبكتي ستار وسكاي إضافة إلى 22 محطة تلفزيونية و132 صحيفة و25 مجلة، وتزداد خطورة بثها في انتهاجها سياسة بث البرامج بلغات البلدان المختلفة.
6- مجموعة (T.C.T):
مجموعة متخصصة بالبث التلفزيوني عبر الكابل المدفوع بالاشتراكات، وتملك قمرين صناعيين للبث حول العالم.
والسؤال هنا: ما هو المضمون الذي تبثه هذه المجموعات الإعلامية العملاقة وتسهم في فرضه على العالم؟ أكثر الأجوبة دقة واختصارًا هو: الثقافة الأمريكية إلى درجة أن وزيري الثقافة: الفرنسي واليوناني نددا في المؤتمر الدولي للسياسات الثقافية الذي نظمته اليونسكو في المكسيك بمواقف الولايات المتحدة الأمريكية التي تستعمل وسائل الإعلام لفرض الثقافة الأمريكية التي تهدد البنية الثقافية الوطنية ومنظومة القيم في بلديهما"([73]).
فكيف يكون الحال بالنسبة للثقافة الإسلامية التي لا تلتقي مع الثقافة الأمريكية في جذورها وكثير من مبادئها كما هو الحال مع الثقافتين الفرنسية واليونانية؟
فإذا أضيف إلى طوفان البث الإعلامي الفضائي ثورة الاتصالات الحديثة المتمثلة في شبكة الإنترنت وما تبثه القوى المسيطرة عليها من قيم ثقافية ومفاهيم عقدية وانحرافات سلوكية بطريقة مبهرة ملحة مستمرة؛ فإن العولمة الثقافية تتحول إلى نوعٍ من الفرض الواضح لثقافة واحدة وليس مجرد النشر الاختياري لها، فالأمر أشبه ما يكون بغسيل الدماغ الذي ذكره (براون) أثناء حديثه عن دور الدعاية حيث قال: "إنها استخدام رموز معينة استخدامًا مدروسًا ومنظمًا بدرجات متفاوتة يعتمد فيه بالدرجة الأولى على الإيحاء وما يتصل به من وسائل نفسية ويقصد منه تغيير الآراء والأفكار والقيم والتحكم فيها، ثم في النتيجة تغيير الأفعال الظاهرة حسب خطط مرسومة مسبقًا"([74]).
"وهذا بالضبط ما تقوم به شركات الاتصال فكثرة ترويج المعلومة وبثها في أكثر من موقع.. يحدث لها في نهاية المطاف تجاوبًا ملموسًا ومشاهدًا في سلوك الناس"([75]).
ثانيًا: المؤتمرات والاتفاقيات الدولية:
استخدم مسيرو العولمة الثقافية المؤتمرات والاتفاقيات الدولية التي يتم عقدها تحت مظلة الأمم المتحدة وسيلة لفرض ثقافة المجتمع الغربي المعاصر على المجتمعات الأخرى وهو أمر أشار إليه الدكتور محمد عمارة بقوله:
"في ظل هيمنة الغرب على المؤسسات الدولية وخاصة مجلس الأمن الدولي الذي أصبح شبيهًا بمجلس الأمن القومي الأمريكي أخذ الغرب يقنن منظومة قيمه في مواثيق يسميها دولية؛ ليفرضها باسم الأمم المتحدة على العالم بأسره"([76]).
ويلاحظ بأن هذه المؤتمرات لا تقيم وزنًا للخصوصية الدينية والثقافية للمجتمعات المختلفة وتتخذ قرارات هذه المؤتمرات صفة شبه إلزامية من منطلق الخضوع لظاهرة العولمة الثقافية التي تؤكد على معنى التجانس البشري في سائر المجالات وفي هذا تحدٍّ للسيادة الوطنية لكل دولة على أراضيها وهو بند مهم من بنود ميثاق الأمم المتحدة ذاتها ولكن لأنه لا ينسجم مع منطق العولمة الثقافية المعاصرة؛ فقد تم إعادة صياغته وتفسيره حيث أشار الأمين العام للأمم المتحدة (كوفي عنان) خلال افتتاح أعمال الدورة الخامسة والأربعين للجمعية العمومية للأمم المتحدة إلى: "أن المفهوم التقليدي للسيادة بات غير محقق لتطلعات الشعوب في التمتع بحرياتها الأساسية"([77]).
وقد استخدمت هيئة الأمم المتحدة كغطاء ظاهر يختفي وراءه الصانع الأساسي للعولمة الثقافية وهو الطرف الأمريكي بغيةَ الإيحاء للشعوب بأن ما يصدر من قرارات عن هذا المؤتمرات إنما هو مطلب دولي عالمي وليس مطلب قطب أحادي واحد.
ومن أبرز هذه المؤتمرات والاتفاقيات:
1- اليوم العالمي للشباب وهو تجمع حاشد للتنصير في الفترة من 15 – 20  أغسطس عام 2000م ألقى فيه البابا "يوحنا بولس الثاني" كلمة في حوالي مليون شاب وفتاة قدموا من معظم بلدان العالم جاء فيها: "ليكن عندك طموح لتصبح قديسًا كما أن عيسى قديس، يا شباب العالم في كل قارة لا تخشوا أن تصبحوا قديسي هذه الألفية"([78]).
وهو بهذا يشير إلى كلمة وردت في الإنجيل هي: فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الأب والابن والروح القدس"([79]).
وهذه دعوة صريحة إلى العولمة الدينية الثقافية على طريقة الكنيسة النصرانية.
2- الإعلان العالمي لحقوق الإنسان:
على الرغم من إقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا الإعلان عام 1948م في باريس إلا أن تطبيقه بقي راجعًا لما تراه كل دولة صالحًا لها من بنوده الثلاثين، وكان في ذلك سعة للدول الإسلامية التي ترى في جل بنود هذا الإعلان مخالفة لحقوق الإنسان التي جاءت بها الشريعة الإسلامية والتي تعد أهم مقومات الثقافة الإسلامية؛ إلا أن رياح العولمة الثقافية هبت على هذا الميثاق لاستغلاله في عام 1992م حيث طلب الرئيس الأمريكي الأسبق (جورج بوش الأب) تعديل ميثاق الأمم المتحدة بحيث تصبح حقوق الإنسان من اختصاص الأمم المتحدة وليس لكل دولة على حدة فوافقت جميع دول قمة أعضاء مجلس الأمن ما عدا الصين([80]). وهكذا بدأت الولايات المتحدة تضغط باسم الأمم المتحدة باتجاه تفعيل تطبيق الميثاق بما يتضمنه من مبادئ وقيم تتصل بالثقافة بشكل مباشر.
3- المؤتمر الدولي للسكان:
الذي انعقد بالقاهرة في شهر سبتمبر من عام 1994م، وتركز البحث فيه حول الربط بين زيادة السكان وبين الفقر واستحالة التنمية وأن الحدّ من النمو السكاني هو الطريق الأمثل للتنمية" وفي هذا السياق رأى المؤتمر ما يلي:
أ- إباحة إنهاء الحمل غير المرغوب فيه، وتخفيف عواقب الإجهاض.
ب- إباحة الممارسة الجنسية خارج مؤسسة الزواج، وحق المراهقين والمراهقات في سرية العلاقة الجنسية وعدم انتهاكها من الأسرة.
ج- ممارسة الجنس والإنجاب حرية شخصية وليست مسؤولية جماعية([81]).
والبعد الثقافي واضح في هذه البنود من خلال إباحة الانحراف العقدي والأخلاقي وتسويغه في المجتمعات المختلفة.
4- المؤتمر العالمي الرابع للمرأة:
الذي انعقد في بكين، وقد استغل المؤتمر لترسيخ نظرة الثقافة الغربية المعاصرة إلى المرأة وما يزعم لها من حقوق مخالفة لفطرتها ودينها وثقافتها التي تنتمي إليها في كل المجتمعات البشرية ماعدا المجتمع الغربي المعاصر، وكان من أبرز ما جاء في هذا المؤتمر من توجيهات ما يلي:
1- التأكيد على التعليم المختلط للجنسين.
2- التشديد على الحرية الجنسية للمرأة وإتاحة موانع الحمل وتشريع الإجهاض.
3- استبدال وصف الذكورة والأنوثة في تكوين الأسرة بوصف النوع (جندر) الذي يتناول الجنس البشري عامة، وهي خطوة في طريق إباحة تكوين الأسرة المثلية المكونة من رجلين أو من امرأتين([82]). واللافت للنظر أن الدول التي قاطعت هذا المؤتمر صنفت ضمن قائمة الدول المتخلفة الراديكالية الرجعية وتم وصفها بممارسة الإرهاب الفكري وحرمان المرأة من حقوقها, وربما تعرضت نتيجة لذلك إلى حصار فكري وضغط متواصل للقبول بما يحمله ذلك المؤتمر من ثقافة عولمية جديدة يراد لها أن تسود.
ثالثًا: الضغط الاقتصادي:
ويقوم على فكرة وحدة السوق، وإزالة العوائق أمام حركة رأس المال، وتحويل العالم إلى مجتمعات منتجة هي مجتمعات الدول الصناعية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، ومجتمعات مستهلكة هي مجتمعات الدول الأخرى([83]).
ولابد للمستهلك من الخضوع بطريقة أو أخرى للمنتجِ وهي حقيقة يدركها الجميع، ومادام أن المنتج يحمل هم نشر ثقافته وقيمه باعتبارها الوحيدة التي بإمكانها إصلاح أحوال البشر فلا شك أنه والحالة هذه سيستغل الجانب الاقتصادي وعلاقته الفوقية بالمستهلكين في سبيل فرض ثقافته المحلية وجعلها طابعًا عالميًّا باستخدام مجموعة من الوسائل والآليات الاقتصادية ومنها:
1- صندوق النقد الدولي: ويقوم على ضبط النقد الدولي واستقراره.
2- البنك الدولي: ويقوم على الإقراض ودراسات الجدوى في مجال الإنشاء والتعمير للدول المتضررة من الحروب والدول الفقيرة.
3- منظمة التجارة العالمية: التي تعني بحرية انتقال السلع والخدمات أيًّا كانت بين الدول، وحماية حقوق الملكية الفكرية.
واللافت للنظر أن هذه المؤسسات الثلاث تشترط على الدول الراغبة في الاستفادة من مزاياها الاقتصادية شروطًا لا يمكن تصنيفها إلا في الإطار الثقافي والفكري مما يؤكد على كون العولمة الثقافية هدفًا، وأن هذه المؤسسات الاقتصادية تستخدم كوسائل لفرضها على المجتمعات.
4- الشركات العملاقة متعددة الجنسيات:
وهي غول كبير نجح في ابتلاع العديد من الأسواق وفرض منتجاته وخدماته وأسعاره التي يراها مناسبة له "ويكفي أن نعلم أن رأس مال الشركات المندمجة في مجال الحاسبات فقط على مستوى العالم قد قفز إلى 426 مليار دولار عام 1999م بينما كان 21 مليارًا عام 1988م([84]).
وقد أصبح لرؤساء هذه الشركات من النفوذ والتأثير ما يوازي وربما يفوق تأثير رؤساء الدول، ولا يتأخر هؤلاء عادة في نشر القيم الثقافية التي يؤمنون بها؛ بل ومعاقبة من يخالفها عبر تسليط ذلك الغول الذي يقفون على رأسه المسمى بالشركات العملاقة وهو ما دفع جيمس كارفيل مستشار الرئيس الأمريكي السابق كلينتون إلى القول: "في السابق كنت أمني نفسًا أن أكون رئيسًا أو بابا، أما الآن فإني أود أن أكون سوق المال إذ سيكون بإمكاني أن أهدد من أشاء"([85]).
وقد رصد مؤلفا كتاب فخ العولمة مجموعة من الشواهد على قوة النفوذ لأصحاب رؤوس الأموال إلى حد إخافة الدول ورؤسائها والتأثير على مخالفي توجيهات رؤساء هذه الشركات، ومن ذلك اعتراف مدير صندوق النقد الدولي ميشال كامد يسو أيام الأزمة المالية المكسيكية عام 1994م بأن "العالم أصبح في قبضة هؤلاء الصبيان" ويعني بهم المتاجرين بالعملة على المستوى الدولي الذين وصفهم الرئيس الفرنسي جاك شيراك بـ: "وباء الإيدز في الاقتصاد العالمي" أما في روسيا فإنهم يسمون بـ: "حيتان المال" ومن هنا فإن مستثمرًا واحدًا في العملة هو جورج سورس استطاع أن يملي أوامره على روسيا حيث كتب مقالاً في جريدة التايمز اللندنية في 12/8/1998م طالب فيه بتخفيف قيمة الروبل بنسبة لا تقل عن 15% ولا تزيد عن 25% ولم تمض خمسة أيام فقط على هذه المطالبة حتى قررت الحكومة الروسية تنفيذها([86]).
وقد لخص رئيس المصرف المركزي الألماني تيتمار طبيعة العلاقة بين السياسيين والمسيطرين على أسواق المال بقوله: "إن غالبية السياسيين لا يزالون غير مدركين أنهم قد صاروا الآن يخضعون لرقابة أسواق المال لا بل إنهم قد صاروا يخضعون لسيطرتها وهيمنتها"([87]).
المبحث الثاني: الآثار السلبية للعولمة الثقافية:
يمكن القول بأن الآثار السلبية للعولمة الثقافية على الأمة الإسلامية تفوق من حيث العدد والخطورة الآثار الإيجابية لها، وبشيء من التلخيص المركز يمكن الوقوف عند الآثار السلبية التالية:
1- ادعاء أفضلية الثقافة الغربية على الثقافة الإسلاميّة:
وهذا الادعاء يحمل انتقاصًا مباشرًا للمعتقد والدين الذي تمثله هذه الثقافة الإسلاميّة ذات المصدر الرباني الذي كفل لها العصمة من التناقض (ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافًا كثيرًا)([88]) والبراءة من التحيز (إن أكرمكم عند الله أتقاكم)([89]) والتحرر من عبودية البشر وأفكارهم، والاحترام وسهولة التطبيق لمبادئ تلك الثقافة.
والسماح لهذا الادعاء بالانتشار له تأثير سلبي مباشر على المنتسبين للدين الإسلامي وعلى بقية المجتمعات التي تبحث عن الثقافة الأصلح فتجد التشويه المتعمد للثقافة الإسلامية وفي المقابل الادعاء المستمر بأفضلية النظام الأمريكي الثقافي والسياسي والاقتصادي وهو جوهر نظر: فوكو ياما المتعلقة بنهاية التاريخ؛ لأن نهاية عصر الأيدلوجيات عنده إنما يعني حلول الأيدلوجية الأمريكية محل الأيدلوجيات الأخرى. أما الوسيلة الموصلة إلى هذا الهدف فقد عبر عنها: صموئيل هنتنجتون من خلال نظرية: صراح الحضارات([90]).
2- إهمال الأساسيات الدينية ولا سيما في مجال العقائد تحت وطأة النمط الثقافي الغربي الذي لا يقيم وزنًا لهذه القضايا:
إن من أهم الأسس التي تقوم عليها العقيدة الإسلامية الإيمان بالغيب الذي يرد الخبر به عن الله تعالى، وبدون ذلك لا يصح وصف الإنسان بالإيمان، والغيب يشمل الوحي باعتباره مصدر المعرفة الصحيحة وأمور الآخرة من بعث وحشر وجنة ونار، والإيمان بالقضاء والقدر، ومفهوم التوكل على الله، وكل هذه القضايا لا مكان لها في عالم العولمة الثقافية وهو مصدر اختلاف كبير بين الثقافتين الإسلامية والغربية، وقد أشار لهذا الدكتور محمد الجليند بقوله:"إن الموقف المعرفي كله تختلف فلسفته في الحضارة الإسلاميّة عنها في الحضارة الغربية من ناحية الأهداف والمقاصد، وكذلك من ناحية الوسائل والمناهج"([91]).
3- تذويب الانتماء إلى الدين والمعتقد وإضعاف علاقة الفرد بأمته ومسخ شخصيته المستقلة؛ ليذوب في منظومة العولمة الثقافية:
يعيش المسلمون اليوم في أكثر من 120 مجتمعًا بشريًّا وعدد الدول الإسلامية يبلغ 54 دولة وعددهم يزيد عن 1300 مليون أي ما يقارب 23% من عدد سكان العالم([92]).
ولا شيء أخطر على الثقافة الغربية اليوم من شعور هؤلاء جميعًا بالانتماء الحقيقي إلى دينهم ومعتقدهم وثقافتهم.
ولهذا فقد عد هنتنجتنون اقتناع أصحاب الثقافة الإسلامية بتفوق ثقافتهم مشكلة الغرب الخطيرة([93]) وبالتالي فمعالجة هذه المشكلة يقتضي تذويب هذا الانتماء ومسخ الشخصية المستقلة التي تميز المسلم عن غيره وهذا ما يفسِّر الحملة الشرسة المركزة على مفهوم الولاء والبراء في الإسلام باعتباره الأساس في إحساس الفرد بهويته الثقافية المستقلة.
4- إهمال الآخرة تمامًا والتركيز على الحياة الدنيا فقط متابعة للمفهوم الثقافي الغربي العلماني:
ويتبع ذلك التقصير الشديد في أداء العبادات؛ كالصلاة والصيام والزكاة, والسعار المادي المستمر؛ لأن المنفعة المادية العاجلة تصبح الهم الأكبر المسيطر على الإنسان (المعولم ثقافيًّا) مما يجعله يضحي بكثير من قناعاته ومبادئه في سبيل المصلحة المادية التي تجلب له المنفعة واللذة وهي القيمة المطلقة التي تدعو إليها(العولمة الثقافية) وهذا الواقع يشيع الخواء الروحي ويُفقد الفرد توازنه النفسي ويزيده قلقًا واكتئابًا وشعورًا بأنه مجرد ترس صغير في آلة كبيرة تدور باستمرار لكسب المال المحقق للمطالب الدنيوية البحتة.
والقاعدة في الإسلام أن يركز المسلم على ما فيه سعادته الأخروية أولاً، ولا ينسى ما يحقق له سعادته الدنيوية بما لا يتعارض مع الحدود الشرعية يقول تعالى: (وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا..)([94]).
5- الإكراه الثقافي والإرهاب الفكري الواقع على شعوب العالم:
بحيث لا يترك لها حرية الاختيار بين الدخول في العولمة الثقافية وبين التمسك بثقافتها الخاصة، وقد عبر توماس فريد مان عن ذلك بقوله: "العولمة أمر واقع وعلى اللاعبين العالميين إما الانسجام معه واستيعابه أو الإصرار على العيش في الماضي وبالتالي خسارة كل شيء ولا بد من قبول الأمر الواقع"([95]) ويقول وزير المالية الأمريكي الأسبق روبرت روين في رد ساخر على مهاتير محمد رئيس وزراء ماليزيا السابق حينما انتقد شرور العولمة: "اعذرني محمد ولكن على أي كوكب أنت تعيش إنك تتكلم عن المشاركة في العولمة كأن ذلك يتضمن خيارًا متاحًا لك, العولمة ليست خيارًا وإنما حقيقة واقعة"([96])  وهذا الإكراه ظلم صارخ ينتهك حقوق المجتمعات في المحافظة على الثقافة المحلية وينذر بردات فعل غير محسوبة قد تفوق كل توقع، وما صيحات مناهضي العولمة واحتجاجاتهم المستمرة والمواجهات الدموية مع كبار مسيري العولمة إلا إرهاصات أولية لما يحتمل حدوثه في المستقبل إذا استمر هذا الإكراه الثقافي على الضعفاء الذين يجري تخويفهم وإرهابهم على الصعيد الإعلامي والسياسي والاقتصادي وحتى العسكري في كثير من الأحيان.
6- تغييب القيم الأسرية والاجتماعية التي رسخها الإسلام:
العلاقة بين الرجل والمرأة نظمها الإسلام بطريقة تكفل حقوق الطرفين، وترقى بعلاقتهما إلى أفق من الطهر والاحترام مع تلبية نداء الفطرة في كل منهما عبر مؤسسة الزواج التي كفلت لها الثقافة الإسلامية الاحترام والتقدير، ولكن العولمة الثقافية اليوم تسعى إلى تغييب هذه القيم عبر إباحة العلاقات الجنسية للرجل والمرأة خارج مؤسسة الزواج، وعبر تخفيف قيود الإجهاض للحمل غير المرغوب فيه، وعبر غض الطرف عن العلاقات المثلية التي يمكن أن تكون من خلالها بعض الأسر في ظل العولمة الثقافية.
كما أن علاقات الأبناء بالآباء بما فيها من البر والإحسان, وصلة الأرحام، والإحسان إلى الجار، والتكافل الاجتماعي كلها قيم غائبة عن مسيرة العولمة الثقافية المعاصرة.
7- الانحراف الأخلاقي ولا سيما في قضايا الشهوات الجنسية:
والنظر إلى المرأة باعتبارها جسدًا مهمته إضفاء المتعة على الآخرين، ووسيلة تسويق وجذب في الدعايات وعبر الصحافة والبرامج الإغرائية على الشاشة وتكليفها بما قد لا يناسبها من الأعمال الشاقة، أو الأعمال التي تعرضها للامتهان والابتزاز الجنسي نتيجة كثرة الاختلاط غير المحتشم بالرجال المشرفين على عملها.
وفي دراسة تم إعدادها بتكليف من وزارات العدل والصحة والشؤون الاجتماعية في أمريكا ثبت أن 18% من النساء في أمريكا اغتصبن أو تعرضن لمحاولة الاغتصاب في مرحلة من مراحل عمرهن ، وأن أكثر من نصف الضحايا كن دون 17سنة عند تعرضهن للاغتصاب للمرة الأولى([97]).
ويؤكد هذا الانحراف أن المرأة في ظل العولمة الثقافية المعاصرة يتم إهمالها عند بلوغها سنًّا معينة ؛لأنها لم تعد صالحة للاستهلاك النفعي ولا سيما في وسائل الإعلام، بعكس الرجل الذي يعمر فيها طويلاً.
8- إفساد الأنماط السلوكية السائدة لدى الشعوب:
ولا سيما الشعوب المسلمة في اللباس والأزياء الخاصة بالرجال أو النساء والتقليعات الغربية الخاصة بطريقة قص الشعر وتغيير الخلقة وأنواع المأكولات الغربية وطريقة تناولها بحيث يصعب اليوم تمييز الهوية الوطنية الخاصة بكل شعب في ظل هذه العولمة في ثقافة اللباس على النمط الغربي حتى لو كان المرء يسير في شوارع بومباي، أو بيونس آيرس، أو بيروت، أو نيويورك.
9- سيادة لغة العولمة الثقافية وهي اللغة الإنجليزية على جميع اللغات ومنها اللغة العربية:
اللغة ليست مجرد ألفاظ جامدة لكنها مظهر ثقافي لا ينكر، وتأثر اللغة العربية لغة القرآن الكريم ظاهر بانتشار اللغة الإنجليزية ومصطلحاتها بين أبناء العرب المسلمين فضلاً عن غيرهم، ومع أن تعلم اللغة الإنجليزية له فائدة ظاهرة للشباب المسلم اليوم إلا أن التأثر بثقافة أهل هذه اللغة هو الأثر السلبي الذي تشير إليه هذه الفقرة على وجه التحديد, ويذكر عبد الهادي أبو طالب أن 88% من معطيات الإنترنت تُبث باللغة الإنجليزية([98]).
10- الترويج لمفاهيم مخالفة للعقيدة الإسلاميَّة:
مثال ذلك: المفهوم الغربي لحقوق الإنسان المتضمن حق الحرية المطلقة من قيد الدين والمعتقد والقائم على أن مصدر الحقوق هو "الإرادة الإنسانية فإذا اجتمعت إرادة البشر ورغبتهم في احترام هذه الحقوق وصيانتها والمحافظة عليها"([99]). فحينئذ يصبح ذلك حقًّا من حقوق الإنسان، أما في الإسلام فإن الوحي الإلهي هو مصدر الحق وأساس مشروعيته.
ومثال آخر: مفهوم الديموقراطية, الذي يعني حكم الشعب بالشعب وليس حكم الشعب بالشرع الإلهي، وقد أخذ مسيرو العولمة على أنفسهم العهد بنشر الديموقراطية الغربية بما تحمله من مفاهيم وقيم مخالفة للإسلام داخل بلاد المسلمين، ولا ريب أن ما في الديموقراطية من حسنات فإن الثقافة الإسلامية قد سبقت إليه وطبقته، وليس هذا مجال البسط في هذه القضية.
وقد أظهرت وثيقة قدمها تشارلزكرو ثامر في 12/2/2004م لمركز "أمريكان إنتر برايز" الذي يرسم الرؤية الإستراتيجية الأمريكية الحالية ويُشرف عليه نائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني أن مأزق عقيدة العولمة الديموقراطية يكمن في طموحها الشمولي باعتبار أن محرك التاريخ ليس إرادة القوة وإنما إرادة الحرية، ولذا فلابد من عولمة الديموقراطية الأمريكية في العالم كله([100]).
المبحث الثالث: الآثار الإيجابية للعولمة الثقافية:
المسلم مأمور بالإنصاف والتجرد وعدم النظر إلى الأمور من زاوية واحدة فقط؛ بل لابد من تقييم الظواهر من جوانبها المختلفة مع مراعاة العدل في ذلك فقد قال الله تعالى: (ولا يجرمنكم شنئان قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى)([101]).
وقال سبحانه: (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين)([102]).
وقال تعالى: (وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى)([103]).
ومن هنا فإن ظاهرة العولمة الثقافية لا تخلو من إيجابيات مهمة في مجال نشر العقيدة والعلم الشرعي والدعوة إلى الله تعالى مع ملاحظة أن هذه الإيجابيات قليلة بالنسبة إلى السلبيات وتتعلق بالوسائل المستخدمة للعولمة الثقافية إذ أن هناك فرقًا كبيرًا بين ما يسمى بعمليات العولمة وبين ما يسمى بأيدلوجيات العولمة التي هي الجانب الثقافي للعولمة وهي خطرة للغاية كما تبيَّن من خلال المبحث السابق؛ لأنها استنساخ فكري وتنميط حضاري تقوم به القوة المسيطرة الغالبة. أما عمليات العولمة فهي من باب الوسائل وتشمل تقنيات المعلومات والاتصال والإعلام، ولقد كان لهذه الوسائل من الإيجابيات على الأمة الإسلامية ما يلي:
1- إتاحة فرصة كبرى لنشر الثقافة الإسلاميّة:
وذلك من خلال زوال كثير من العوائق التي كانت تحول دون نشر العقيدة الإسلامية مع سهولة الاتصال عبر شبكة الإنترنت وسهولة التواصل عبر وسائل الإعلام الفضائية (مرئية ومسموعة) وهو تحد جديد أمام المنتمين للثقافة الإسلامية اليوم وسوف يخسرون خسرانًا بينًا إن هم فرطوا في هذه الوصية السانحة للدعوة إلى الله ونشر الإسلام وقيمه الموافقة للفطرة السليمة للعالمين والرد على الشبهات المثارة حوله دون وصاية رسمية أو أنظمة مقيدة.
2- سهولة الحصول على المعلومة المفيدة :
 وهو أمر يسهم في بناء الجانب العلمي والمعرفي في الأمة الإسلامية عن طريق الحصول على الإحصاءات الموثقة والأبحاث العلمية بل وحتى الفتاوى الشرعية التي تسهم مجتمعة في نشر العلم والمعرفة ودعم عناصر العملية التعليمية الخمسة ، أو ما يسمى بالميمات الخمس: (معلم، متعلم، منهج، مكان، مجتمع)([104]) ومع أن الواقع التعليمي في البلاد الإسلامية مؤسف جدًّا حيث يبلغ متوسط نسبة الأمية 62%من عدد السكان([105]) ، وبينما يبلغ ما تنفقه إسرائيل على البحوث التطبيقية ملياري دولار سنويًّا، فإن الدول العربية مجتمعة لا تنفق على البحوث العلمية أكثر من 100مليون دولار([106] )، إلا أن وسائل العولمة الثقافية المعاصرة تتيح للبلاد الإسلامية مجالاً مهمًّا لنشر العلم بتكاليف معقولة مقارنة بمتطلبات نشر العلم في السابق.
3- الإطلاع على مساوئ الثقافة الغربية والأخطاء الكبرى فيها؛ وهذا الأمر يتم من خلال توسع أصحابها في نشرها ومحاولتهم تسويقها بين الشعوب؛  لكنهم في إطار العولمة لا يستطيعون حجب المساوئ عن أعين الآخرين مما أدى إلى نفور الكثيرين من هذه الثقافة الغربية ولا سيما في نسختها الأمريكية المشوهة لما رأوا فيها من أخطاء من أبرزها: التناقض،  والتحيز، والمادية المجردة من الروح والمشاعر، والانفلات الأخلاقي الذي يصل في بعض الأحيان إلى حد البهيمية غير المنضبطة . وهذا الأمر لم يكن ليتم بهذه الصورة لو لم توجد وسائل العولمة الثقافية.
4- زيادة التواصل بين المسلمين:
وذلك باستخدام آليات العولمة الثقافية فأصبح المسلم قادرًا على معرفة أحوال إخوانه المسلمين في المجتمعات الأخرى، ومعرفة التحديات التي تواجههم وبالتالي عونهم وتقوية الارتباط بهم.
لقد أسهم النقل الفضائي الحي والمباشر لما يتعرض له المسلمون في فلسطين إلى زيادة التلاحم بينهم وبين بقية المسلمين في سائر أنحاء العالم ولم يعد باستطاعة إسرائيل أن تحجب عن العالم الإسلامي ما تفعله بالفلسطينيين وهذا أدى إلى زيادة تفاعل المسلمين مع إخوانهم واستعدادهم لنصرتهم وعونهم، وأضعف في فرص استفراد الإعلام الغربي بنقل وجهة نظره المنحازة في أغلب الأحيان لهذا الصراع.
ولم يتم التعاطف مع قضية المسلمين في البوسنة والهرسك وكوسوفا إلا من خلال آليات العولمة وعبر وسائل الإعلام والاتصال المعاصرة مع أن شعب البوسنة والهرسك تعرض إلى مجازر وحشية إبان الحرب العالمية الثانية إلا أن عدم نقل تلك الأحداث بواسطة أجهزة الأعلام أقام حاجزًا حال دون تواصل بقية المسلمين معهم بالشكل الذي حصل في التسعينات من القرن المنصرم.
وهذا الأمر ليس غائبًا عن كبار مسيري العولمة الثقافية اليوم،  بل إنهم لا يخفون الشكوى من قنوات فضائية عربية معينة تنقل واقع المسلمين في بقعة ما من العالم لبقية إخوانهم المسلمين في كافة أنحاء العالم في التو واللحظة مما يزيد فيما يسمونه مشاعر العداء والكراهية لهؤلاء الذين يظلمونهم أو يحمون من يظلمهم، وكأن الخطأ ليس هو وقوع الجريمة أو الظلم باعتبار ذلك ممارسة عولمية مشروعة ولكن الخطأ هو نقل هذه الجريمة وذلك الظلم عبر استغلال آليات العولمة في الإضرار بمصالح أهل العولمة.
الخاتمة:
وبعد هذه الجولة في عالم العولمة الثقافية أعود إلى التساؤل الذي بدأت به هذا البحث:
هل عولمة الثقافة قدر نافذ لا خيار لأحد في دفعها أو ردها؟ ولا مجال لأحد إلا السير في ركابها؟
إن العولمة تكون قدرًا لا فكاك منه إذا نحن صدقنا بذلك واستكنا له، والصحيح أن العولمة الثقافية ليست حتمية ولا قدرية؛  بل هي مخالفة لسنة الله الكونية القدرية والدينية الشرعية.
أما مخالفتها للسنة الكونية القدرية فظاهر من حيث إنها إلزام وفرض لفكر واحد وثقافة واحدة؛ بينما أخبر الله سبحانه وتعالى باختلاف الناس في دينهم وثقافتهم فقال: (ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم وتمت كلمة ربك لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين)([107]).
وقال تعالى: (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين)([108]).
وقال سبحانه: (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرًا)([109]).
فالاختلاف بين البشر سنة ربانية (ولن تجد لسنة الله تبديلاً)([110]) (ولن تجد لسنة الله تحويلاً)([111]) ومن رام تغيير هذه السنة وتوحيد البشر إلى ثقافة واحدة ودين واحد من خلال الفرض والإلزام؛ فقد خالف قدر الله ومحال له أن يحقق مبتغاه.
وأما مخالفتها للإرادة الشرعية الدينية فإن عولمة ثقافية تقوم على تغييب القيم الدينية والعقائد الصحيحة وتشيع الانحراف الأخلاقي ليست مما يحبه الله ويرضاه فقد قال سبحانه: (إن تكفروا فإن الله غني عنكم ولا يرضى لعباده الكفر وإن تشكروا يرضه لكم)([112]).
وقال: (والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلاً عظيمًا)([113]).
لكن حكمة الله تعالى اقتضت أن يبتلي عباده بمن يخالف إرادته الشرعية الدينية ليتبين أهل العزائم الذين يثبتون على الحق وينشرونه ويقاومون الباطل ويراغمونه ولذلك قال تعالى: (وأعدوا لهم ما استطعتم من  قوة)([114]) مع أنه سبحانه قادر على كبتهم وإذهاب باطلهم.
"إن الأزمة الحقيقية لأمتنا الإسلامية هي انعدام الوعي بذواتنا أزمة فقدان الثقة بقدراتنا على الفعل"([115]). لقد تساءل غستاف لوبون في كتابه "حضارة الهند"كيف استطاع البريطانيون ببضعة الآلاف من الجنود أن يستعمروا الهند ذات الملايين العديدة؟ وأجاب: عند تشريح جمجمة الهندي لا نجدها مختلفة عن جمجمة الإنجليزي ولكن الفرق هو الإرادة والثبات والعزم في قوم ، والضعف والاستكانة في آخرين.  قوة الإرادة إذن هي سر النهوض؛ لأنها الروح التي تنبض بالجسد"([116]).
إن مستقبل العولمة الثقافية يُنبئ بأن الهيمنة الغربية ولا سيما الأمريكية لن تستمر طويلاً لمخالفتها للفطرة الإنسانية الرافضة للفرض والإلزام،  ولهذا فإن مقاومة العولمة الثقافية تزداد قوة وشراسة يومًا بعد يوم، ويتوقع تبعًا لذلك أن يكثر الظلم والبغي والابتزاز ومحاولة السيطرة على موارد الآخرين من قبل الأقوياء الذين يسيرون العولمة بسبب طبيعة الإنسان عند ما يملك القوة ولا ينضبط بالدين ولا يجد مقاومة مكافئة فإنه حينئذٍ يكون: "ظلومًا جهولاً" ويكون: هلوعًا إذا مسه الشر جزوعًا وإذا مسه الخير منوعًا, وهذا كله سيزيد من حجم المقاومة لهذه القوة المسيطرة الملزمة بالعولمة الثقافية([117])، وستظهر حينئذٍ مزايا الثقافة الإسلامية القائمة على العالمية لا العولمة،  والتكريم للإنسان لا احتقار أكثر بني الإنسان مما سيحدث بإذن الله طفرة كبيرة في انتشار هذا الدين شريطة أن يعي المسلمون دورهم ويبدؤوا بتقديم مشروع حضاري([118]) إسلامي مواجه للعولمة الثقافية يسخرون فيه كافة إمكانياتهم دون أن يستفزهم مسيرو العولمة الثقافية إلى ردَّات فعل غير محسوبة تجر على المسلمين معارك غير متكافئة لم يختاروا زمانها ولا مكانها ولا أسلوبها.
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

المراجع ((الحواشي)) :

 ([1]) انظر في ذلك: إشكال المصطلحات من المنظور الحضاري, للدكتور: أحمد محمد الدغشي مقال منشور بمجلة البيان العدد 166 ص 126.
([2]) انظر: العولمة أرقام وحقائق لعبد سعيد عبد إسماعيل ص 34 وانظر: the American Herilage Dictionary p :562 .
([3]) العولمة جريمة تذويب الأصالة ص 37، كتاب المعرفة، العدد السابع، وزارة المعارف السعودية.
([4]) التعريفات للجرجاني ص 139.
([5]) انظر: دور التربية الإسلامية في مواجهة التحديات الثقافية للعولمة لصلاح الحارثي ص10.
([6]) عولمة الثفافة د. فهد البكر. مقال منشور بجريدة الرياض العدد 12730 بتاريخ 1/3/1424هـ.
وانظر:العولمة والهوية الثقافية لمحمد عابد الجابري – مقال منشور بمجلة المستقبل العربي، العدد 228 ص17.
([7]) انظر على سبيل المثال: الكوكبة الرأسمالية في مرحلة ما بعد الإمبريالية لإسماعيل صبري عبد الله . مقال منشور بمجلة المستقبل العربي، العدد 222 ص5.
([8]) انظر :الهوية والعولمة لناصر الدين الأسد كتاب: ندوة العولمة والهوية أكاديمية المملكة المغربية الرباط 1997م ص63.
([9]) انظر: في مفهوم العولمة للسيد يسين مقال منشور بمجلة المستقبل العربي العدد 228 ص6.
([10]) انظر: ملحق جريدة المدينة السعودية في 25/12/1418هـ.
([11]) انظر: العولمة جذورها وفروعها لعبد الخالق عبد الله ص50.
([12]) انظر: العولمة أرقام وحقائق مرجع سابق ص36.
([13]) المرجع السابق ص31.
([14]) انظر في ذلك: ملف العولمة في مجلة المعرفة السعودية، عدد محرم وصفر 1420هـ.
وملف: (العرب والعولمة) مجلة المستقبل، العددان (228) و(229).
([15]) انظر:العولمة توحد وتقسم لجورج طرابيشي، مقال منشور بجريدة الحياة، العدد 12955 بتاريخ 23/8/1998م.
([16]) العولمة الغربية والصحوة الإسلامية للدكتور عبد الرحمن الزنيدي ص17.
([17]) العولمة الغربية والصحوة الإسلامية – مرجع سابق – ص19.
([18]) وهو تعريف إسماعيل صبري عبد الله في مقال بعنوان: الكوكبة الرأسمالية العالمية نشرته مجلة المستقبل العربي، العدد 222 ص5.
([19]) وهو تعريف السيد يسين في مقال له بعنوان: في مفهوم العولمة: منشور بمجلة المستقبل العربي، العدد 228 ص6.
([20]) وهو تعريف محمد الأطرش في مقال له بعنوان: حول الأزمة الاقتصادية الدولية الراهنة منشور بمجلة المستقبل العربي، العدد 244 ص6.
([21]) وهو تعريف أنتوني جيد نز أحد أهم منظري الحزب الحاكم في بريطانيا وأقربهم إلى توني بلير رئيس الوزراء. انظر: العولمة جذورها وفروعها لعبد الخالق عبد الله ص53.
([22]) عولمة الثقافة د. فهد البكر. مرجع سابق.
([23]) المعجم الوسيط: مادة: ثقف.
([24]) ثقافة المسلم د. عبد الحليم عويس ص16، طبعة دار الصحوة.
([25])محاضرات في الثقافة الإسلامية للباحث ص11.
([26]) السابق  ص10.
([27]) السابق  ص11.
([28]) لمحات في الثقافة الإسلامية عمر عودة الخطيب  ص23.
([29])  السابق ص23.
([30]) محاضرات في الثقافة الإسلامية للباحث – مرجع سابق - ص11.
([31])  العرب واليونسكو لحسن نافعة ص48.
([32])  العولمة مقاومة واستثمار د. إبراهيم الناصر مقال منشور بمجلة البيان العدد 167 ص 117.
([33])  وهو تعريف عبد الله أحمد أبو راشد, انظر العولمة والنظام العالمي والشرق أوسطية ص10.
([34]) [سورة الأنبياء: 107].
([35]) [سورة سبأ: 28].
([36]) [سورة الأعراف: 158].
([37]) رواه البخاري ،كتاب الصلاة ، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم جعلت ، رقم (438) ،ومسلم ،كتاب المساجد ومواضع الصلاة ، رقم (523).
([38]) انظر الإسلام لعصرنا د. جعفر شيخ إدريس ص 145.
([39]) انظر: العولمة والهوية الثقافية لمحمد عابد الجابري – مرجع سابق – مقال منشور بمجلة المستقبل العربي العدد 228 ص17.
([40]) [هود: 118].
([41]) [البقرة: 51].
([42]) [الحج: 40].
([43]) [البقرة: 256].
([44]) تفسير القرآن العظيم لابن كثير (1/333 ) ط دار الخير. الطبعة الأولى 1990.
([45]) خطابنا الإسلامي في عصر العولمة د. يوسف القرضاوي مقال منشور بمجلة الدعوة السعودية العدد 1927 ص52.
([46]) المدخل إلى الثقافة الإسلامية د. محمد التركي ص12.
([47]) انظر: مجلة الأمة القطرية عدد المحرم 1402هـ ص 75.
([48]) انظر: أسرار الهجوم على الإسلام ونبي الإسلام للباحث ص12.
( 49) السابق ص13.
(50)   السابق والصفحة .
([51]) سقوط الحضارة الغربية رؤية من الداخل أحمد منصور ص 134.
([52]) السابق والصفحة.
([53]) انظر: البعد الديني في السياسة الأمريكية د. يوسف الحسن ص37 وما بعدها.
([54]) انظر: مجلة البيان العدد 185 ص105.
([55]) [البقرة : 120].
([56]) [الممتحنة: 2].
([57])  انظر في ذلك: المدخل إلى الثقافة الإسلامية د. محمد التركي ص 43.
([58]) [الكهف: 103-105]
([59]) [الغاشية: 2-4].
([60]) انظر: دور الثقافة السننيّة في فعالية الأداء الحضاري للشباب المسلم للطيب برغوث ص 389 ضمن بحوث المؤتمر العالمي الثامن للندوة العالمية للشباب الإسلامي.
([61]) انظر: شباب الأمة ومواجهة شعارات الغرب وتياراته. د. أحمد عبد الرحيم السايح ص 53. ضمن بحوث المؤتمر العالمي الثامن للندوة العالمية للشباب الإسلامي.
([62]) عولمة الإعلام والثقافة د. محمد الحاجي ص107.
([63]) العولمة والنظام العالمي والشرق أوسطية لعبد الله أحمد أبو راشد ص14.
([64]) انظر: الحكم في عالم يتجه نحو العولمة. لجوزيف. س. ناي وجون. د. دو ناهيو، تعريب محمد شريف الطرح ص184 مكتبة العبيكان 1423هـ الطبعة الأولى 2002م.
([65]) السيارة ليكساس وشجرة الزيتون لفريد مان ص31.
([66]) روح التحرر في القرآن لعبد العزيز الثعالبي ترجمة حمادي الساحلي ص118 (دار الغرب الإسلامي الطبعة الأولى 1985م).
([67]) كتب المؤلف كتابه في عام 1905م.
([68]) انظر: روح التحرر في القرآن لعبد العزيز الثعالبي – مرجع سابق ص117.
([69]) الحكم في عالم يتجه إلى العولمة – مرجع سابق ص 184.
([70]) العولمة مقاومة واستثمار د. إبراهيم الناصر.مقال منشور بمجلة البيان العدد 167 ص119.
([71]) عولمة الإعلام لمالك الأحمد مقال منشور بمجلة البيان العدد 148, 1420هـ، ص114.
وانظر: دور التربية الإسلامية في مواجهة التحديات الثقافية للعولمة لصلاح الحارثي مرجع سابق ص108.
[72] انظر: مجلة البلاغ العدد 511 ص 43.
([73]) دور التربية الإسلامية في مواجهة التحديات الثقافية للعولمة – مرجع سابق ص112.
([74]) أساليب الإقناع وغسيل الدماغ 1408هـ براون ص15.
([75]) دور التربية الإسلامية في مواجهة تحديات العولمة الثقافية – مرجع سابق – ص116.
([76]) مخاطر العولمة على الهوية الثقافية 1999م د. محمد عمارة ص26.
([77]) دور التربية الإسلامية في مواجهة التحديات الثقافية للعولمة – مرجع سابق – ص 133.
([78]) انظر: مجلة البيان العدد 156 ص110. مقال منشور للأستاذ إبراهيم الحقيل.
([79]) السابق والصفحة.
([80]) أخطار البيئة والنظام الدولي عمار محمود طرَّاف ص70.
([81]) انظر: وثيقة مؤتمر السكان والتنمية رؤية شرعية للحسيني سليمان جاد ص17 (سلسلة كتاب الأمة عدد 53 وزارة الأوقاف – قطر 1417هـ).
([82]) دور التربية الإسلامية في مواجهة التحديات الثقافية للعولمة – مرجع سابق – ص152.
([83]) انظر: العولمة مقاومة واستثمار د. إبراهيم الناصر – مرجع سابق – ص119.
([84]) العولمة مقاومة واستثمار – مرجع سابق – ص120.
([85]) انظر: فخ العولمة لهانس وشومان ص136.
فخ العولمة الاعتداء على الديموقراطية والرفاهية – بيتر هانس وهارلد شومان ترجمه عدنان عباس علي – عالم المعرفة العدد 238 أكتوبر 1998م.
([86]) انظر: العولمة والديموقراطية لكمال مجيد ص11. (دار الحكمة ط1 2000م).
([87]) انظر: فخ العولمة – مرجع سابق – ص 121.
([88]) [النساء: 82].
([89]) [الحجرات: 13].
([90]) انظر في ذلك العولمة الغربية والصحوة الإسلامية د. عبدالرحمن الزنيدي – مرجع سابق – ص43.
([91]) انظر: الوحي والإنسان قراءة معرفية ا.د محمد السيد الجليند ص 45 دار قباء للطباعة والنشر القاهرة ط1, 2002م سلسلة  تصحيح المفاهيم 6.
([92]) العولمة أرقام وحقائق لعبد سعيد عبد إسماعيل – مرجع سابق – ص 134.
([93]) العولمة الغربية والصحوة الإسلامية – مرجع سابق – ص40.
([94]) [القصص: 77].
([95]) مقال منشور بجريدة الشرق الأوسط في 2/3/1997م.
([96])  العرب والعولمة, محمد الأطرش. مقال منشور بمجلة المستقبل العربي, العدد 229, ص101.
([97]) انظر:العولمة مقاومة واستثمار – مرجع سابق- ص126.
([98]) العولمة الغربية والصحوة الإسلامية – مرجع سابق –  ص35.
([99]) انظر: الثقافة والعولمة لسعيد محارب ص32. (دار الكتاب الجامعي العين الإمارات العربية ط1 2000م).
([100]) قراءة في أحدث وثيقة لإستراتيجية السياسة الخارجية الأمريكية – السيد ولد أباه مقال منشور بجريدة الشرق الأوسط العدد 9214 بتاريخ 19/2/2004م.
([101]) [المائدة: 2].
([102]) [المائدة: 8].
([103]) [الأنعام: 152].
([104]) العولمة أرقام وحقائق – مرجع سابق –ص188.
([105]) المرجع السابق ص194.
([106]) المرجع السابق ص219.
([107]) [هود: 118, 119].
([108]) [البقرة: 251].
([109]) [الحج: 40].
([110]) [الأحزاب: 62].
([111]) [فاطر: 43].
([112])  [الزمر: 7].
([113])  [النساء: 77] .
([114]) [الأنفال: 6].
([115]) العولمة أرقام وحقائق – مرجع سابق – ص 236.
([116]) مشروع النهوض عربي أم إسلامي – د. عبد الله الحامد مقال منشور بجريدة الحياة العدد 13383 (29/أكتوبر/1999م).
([117]) العولمة مقاومة واستثمار – مرجع سابق – ص125.
([118]) انظر: العولمة أرقام وحقائق مرجع سابق ص 234, وما بعدها.