إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ) ( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً ، واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً ) ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ، ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً )
أما بعد :
فقد وردت إليّ أسئلة من بعض الإخوان في بعض الدروس والمحاضرات تتضمن أموراً مما يُعانون ومشكلات مما يواجهون من أمراض قلبية ومصاعب نفسية وعقبات واقعية .
وكانت الإجابات عن تلك الأسئلة المكتوبة والمشكلات المعروضة في سلسلة دروس بعنوان شكاوى وحلول .
وقد أعدت النظر فيها بعد إعدادها للكتابة وأقدمها اليوم إلى إخواني رجاء الدخول في حديثه صلى الله عليه وسلم : ( من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة .. والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه ) صحيح مسلم والله أسأل أن يوفقني وإخواني المسلمين لفعل الخيرات واجتناب السيئات والنجاة يوم الحسرات إنه خير مسؤول وهو كل شيء قدير .
النوم عن صلاة الفجر
أخ يشتكي ويقول : إن صلاة الفجر تفوتني في كثير من الأيام ، فلا أصليها في وقتها إلا نادراً ، والغالب ألا أستيقظ إلا بعد طلوع الشمس ، أو بعد فوات صلاة الجماعة في أحسن الأحوال ، وقد حاولت الاستيقاظ بدون جدوى ، فما حل هذه المشكلة ؟ .
الجواب : الحمد لله حمداً كثيراً وبعد : فإن حل هذه المشكلة – كغيرها – له جانبان : جانب علمي ، وجانب عملي .
أما الجانب العلمي فيأتي من ناحيتين :
الناحية الأولى : أن يعلم المسلم عظمة مكانة صلاة الفجر عند الله عز وجل ، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( من صلّى الصبح في جماعة فكأنما صلّى الليل كله ) مسلم ص 454 رقم 656 ، الترمذي 221 .
وقال عليه الصلاة والسلام : ( أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر ، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً ) رواه الإمام أحمد المسند 2/424 ، وهو في صحيح الجامع 133 ، وقال : ( من صلّى الفجر فهو في ذمة الله فلا يطلبنكم الله بشيء من ذمته ) ومعنى في ذمة الله : أي في حفظه وكلاءته سبحانه ، " من كتاب النهاية 2/168" والحديث رواه الطبراني 7/267 ، وهو في صحيح الجامع رقم 6344 . وقال أيضاً صلى الله عليه وسلم : ( يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر ، ثم يعرج الذين باتوا فيكم ، فيسألهم وهو أعلم بهم : كيف تركتم عبادي ، فيقولون : تركناهم وهم يصلون ، وأتيناهم وهم يصلون ) رواه البخاري الفتح 2/33 .
وفي الحديث الآخر : ( أفضل الصلوات عند الله صلاة الصبح يوم الجمعة ، في جماعة ) رواه أبو نعيم في الحلية 7/207 ، وفي السلسلة الصحيحة 1566 . وفي الحديث الصحيح : ( من صلّى البردين دخل الجنة ) رواه البخاري الفتح 2/52 . والبردان الفجر والعصر .
الناحية الثانية : أن يعلم المسلم خطورة تفويت صلاة الفجر ومما يبين هذه الخطورة الحديث المتقدم :
( أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر ) وفي الصحيح عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : ( كنا إذا فقدنا الرجل في الفجر والعشاء أسأنا به الظن ) رواه الطبراني في المعجم الكبير 12/271 ، قال الهيثمي رجال الطبراني موثقون المجمع 2/40 . وإنما تكون إساءة الظن بذلك المتخلف عن هاتين الصلاتين لأن المحافظة عليهما معيار صدق الرجل وإيمانه ، ومعيار يقاس به إخلاصه ، ذلك أن سواهما من الصلوات قد يستطيعها المرء لمناسبتها لظروف العمل ووقت الاستيقاظ ، في حين لا يستطيع المحافظة على الفجر والعشاء مع الجماعة إلا الحازم الصادق الذي يُرجى له الخير .
ومن الأحاديث الدالة على خطورة فوات صلاة الفجر قوله صلى الله عليه وسلم : ( من صلّى الصبح فهو في ذمة الله ، فلا يطلبنكم الله من ذمته بشيء ، فإن من يطلبه من ذمته بشيء يدركه ثم يكبه على وجهه في نار جهنم ) رواه مسلم ص 454 ، ومعنى من يطلبه من ذمته بشيء يدركه أي من يطلبه الله للمؤاخذة بما فرط في حقه والقيام بعهده يدركه الله إذ لا يفوت منه هارب ، حاشية صحيح مسلم ترتيب عبد الباقي 455 .
هاتان الناحيتان كفيلتان بإلهاب قلب المسلم غيرة ، أن تضيع منه صلاة الفجر فالأولى منهما تدفع للمسارعة في الحصول على ثواب صلاة الفجر ، والثانية هي واعظ وزاجر يمنعه من إيقاع نفسه في إثم التهاون بها .
وأما الجانب العملي في علاج هذه الشكاية فإن هناك عدة خطوات يمكن للمسلم إذا اتبعها أن يزداد اعتياداً ومواظبة على صلاة الفجر مع الجماعة ، فمن ذلك :
1-التبكير في النوم : ففي الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكره النوم قبل صلاة العشاء والحديث بعدها ، فلا ينبغي للمسلم أن ينام قبل صلاة العشاء والمُشاهد أن غالب الذين ينامون قبل العشاء يمضون بقية ليلتهم في خمول وكدر وحال تشبه المرضى .
ولا ينبغي كذلك أن يتحدث بعد صلاة العشاء ، وقد بين أهل العلم سبب كراهية الحديث بعدها فقالوا : لأنه يؤدي إلى السهر ، ويُخاف من غلبة النوم عن قيام الليل ، أو عن صلاة الصبح في وقتها الجائز أو المختار أو الفاضل .
والمكروه من الحديث بعد صلاة العشاء كما قال الشراح : هو ما كان في الأمور التي لا مصلحة راجحة فيها ، أما ما كان فيه مصلحة وخير فلا يكره ، كمدارسة العلم ، ومعرفة سير الصالحين وحكايتهم ، ومحادثة الضيف ، ومؤانسة الزوجة والأولاد وملاطفتهم ، ومحادثة المسافرين بحفظ متاعهم وأنفسهم ، إلى آخر ذلك من الأسباب المباحة . فما الحال إذا تفكرنا فيما يسهر من أجله كثير من الناس اليوم من المعاصي والآثام إذن فعلى المسلم أن ينام مبكراً ، ليستيقظ نشيطاً لصلاة الفجر ، وأن يحذر السهر الذي يكون سبباً في تثاقله عن صلاة الفجر مع الجماعة .
حقاً إن الناس يتفاوتون في الحاجة إلى النوم ، وفي المقدار الذي يكفيهم منه ، فلا يمكن تحديد ساعات معينة يُفرض على الناس أن يناموا فيها ، لكن على كل واحد أن يلتزم بالوقت الكافي لنوم يستيقظ بعده لصلاة الفجر نشيطاً ، فلو علم بالتجربة والعادة أنه لو نام بعد الحادية عشر ليلاً مثلاً لم يستيقظ للصلاة ، فإنه لا يجوز له شرعاً أن ينام بعد هذه الساعة .. وهكذا .
2- الحرص على الطهارة وقراءة الأذكار التي قبل النوم ، فإنها تعين على القيام لصلاة الفجر .
3- صدق النية والعزيمة عند النوم على القيام لصلاة الفجر ، أما الذي ينام وهو يتمنى ألا تدق الساعة المنبهة ، ويرجو ألا يأتي أحد لإيقاظه ، فإنه لن يستطيع بهذه النية الفاسدة أن يصلي الفجر ، ولن يفلح في الاستيقاظ لصلاة الفجر وهو على هذه الحال من فساد القلب وسوء الطوية .
4- ذكر الله تعالى عند الاستيقاظ مباشرة ، فإن بعض الناس قد يستيقظ في أول الأمر ، ثم يعاود النوم مرة أخرى ، أما إذا بادر بذكر الله أول استيقاظه انحلت عقدة من عُقد الشيطان ، وصار ذلك دافعاً له للقيام ، فإذا توضأ اكتملت العزيمة وتباعد الشيطان ، فإذا صلّى أخزى شيطانه وثقل ميزانه وأصبح طيب النفس نشيطاً .
5- لا بد من الاستعانة على القيام للصلاة بالأهل والصالحين ، والتواصي في ذلك ، وهذا داخل بلا ريب في قوله تعالى : ( وتعاونوا على البر والتقوى ) وفي قوله ( والعصر إن الإنسان لفي خسر ، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر )
فعلى المسلم : أن يوصي زوجته مثلاً بأن توقظه لصلاة الفجر ، وأن تشدد عليه في ذلك ، مهما كان متعباً أو مُرهقاً ، وعلى الأولاد أن يستعينوا بأبيهم مثلاً في الاستيقاظ ، فينبههم من نومهم للصلاة في وقتها ، ولا يقولن أب إن عندهم اختبارات ، وهم متعبون ، فلأدعهم في نومهم ، إنهم مساكين ، لا يصح أن يقول ذلك ولا أن يعتبره من رحمة الأب وشفقته ، فإن الرحمة بهم والحدَبَ عليهم هو في إيقاظهم لطاعة الله : ( وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها )
وكما يكون التواصي والتعاون على صلاة الفجر بين الأهل ، كذلك يجب أن يكون بين الإخوان في الله ، فيعين بعضهم بعضاً ، مثل طلبة الجامعات الذين يعيشون في سكن متقارب ومثل الجيران في الأحياء ، يطرق الجار باب جاره ليوقظه للصلاة ، ويعينه على طاعة الله .
6- أن يدعو العبد ربه أن يوفقه للاستيقاظ لأداء صلاة الفجر مع الجماعة ؛ فإن الدعاء من أكبر وأعظم أسباب النجاح والتوفيق في كل شيء .
7- استخدام وسائل التنبيه ، ومنها الساعة المنبهة ، ووضعها في موضع مناسب ، فبعض الناس يضعها قريباً من رأسه فإذا دقت أسكتها فوراً وواصل النوم ، فمثل هذا يجب عليه أن يضعها في مكان بعيد عنه قليلاً ، لكي يشعر بها فيستيقظ .
ومن المنبهات ما يكون عن طريق الهاتف ، ولا ينبغي للمسلم أن يستكثر ما يدفعه مقابل هذا التنبيه ، فإن هذه نفقة في سبيل الله ، وأن الاستيقاظ لإجابة أمر الله لا تعدله أموال الدنيا .
8- نضح الماء في وجه النائم ، كما جاء في الحديث من مدح الرجل الذي يقوم من الليل ليصلي ، ويوقظ زوجته ، فإن أبت نضح في وجهها الماء ، ومدح المرأة التي تقوم من الليل وتوقظ زوجها ، فإن أبى نضحت في وجهه الماء رواه الإمام أحمد في المسند 2/250 وهو في صحيح الجامع 3494 .
فنضح الماء من الوسائل الشرعية للإيقاظ ، وهو في الواقع منشط ، وبعض الناس قد يثور ويغضب عندما يوقظ بهذه الطريقة ، وربما يشتم ويسب ويتهدد ويتوعد ، ولهذا فلا بد أن يكون الموقظ متحلياً بالحكمة والصبر ، وأن يتذكر أن القلم مرفوع عن النائم ، فليتحمل منه الإساءة ، ولا يكن ذلك سبباً في توانيه عن إيقاظ النائمين للصلاة .
9- عدم الانفراد في النوم ، فلقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يبيت الرجل وحده رواه الإمام أحمد في المسند 2/91 وهو في السلسلة الصحيحة رقم 60 . ولعل من حِكم هذا النهي أنه قد يغلبه النوم فلا يكون عنده من يوقظه للصلاة .
10- عدم النوم في الأماكن البعيدة التي لا يخطر على بال الناس أن فلاناً نائماً فيها ، كمن ينام في سطح المنزل دون أن يخبر أهله أنه هناك ، وكمن ينام في غرفة نائية في المنزل أو الإسكان الجماعي فلا يعلم به أحد ليوقظه للصلاة ، بل يظن أهله وأصحابه أنه في المسجد ، وهو في الحقيقة يغّط في نومه .
فعلى من احتاج للنوم في مكان بعيد أن يخبر من حوله بمكانه ليوقظوه .
11- الهمة عند الاستيقاظ ، بحيث يهب من أول مرة ، ولا يجعل القيام على مراحل ، كما يفعل بعض الناس الذين قد يتردد الموقظ على أحدهم مرات عديدة ، وهو في كل مرة يقوم فإذا ذهب صاحبه عاد إلى الفراش ، وهذا الاستيقاظ المرحلي فاشل في الغالب ، فلا مناص من القفزة التي تحجب عن معاودة النوم .
12- ألا يضبط المنبه على وقت متقدم عن وقت الصلاة كثيراً ، إذا علم من نفسه أنه إذا قام في هذا الوقت قال لنفسه : لا يزال معي وقت طويل ، فلأرقد قليلاً ، وكل أعلم بسياسة نفسه .
13- إيقاد السراج عند الاستيقاظ ، وفي عصرنا الحاضر إضاءة المصابيح الكهربائية ، فإن لها تأثيراً في طرد النعاس بنورها .
14- عدم إطالة السهر ولو في قيام الليل ، فإن بعض الناس قد يطيل قيام الليل ، ثم ينام قبيل الفجر بلحظات ، فيعسر عليه الاستيقاظ لصلاة الفجر ، وهذا يحدث كثيراً في رمضان ، حيث يتسحرون وينامون قُبيل الفجر بقليل ، فيضيعون صلاة الفجر ، ولا ريب أن ذلك خطأ كبير ؛ فإن صلاة الفريضة مقدمة على النافلة ، فضلاً عمن يسهر الليل في غير القيام من المعاصي والآثام ، أو المباحات على أحسن الأحوال ، وقد يزين الشيطان لبعض الدعاة السهر لمناقشة أمورهم ثم ينامون قبل الفجر فيكون ما أضاعوا من الأجر أكثر بكثير مما حصلوا .
15- عدم إكثار الأكل قبل النوم فإن الأكل الكثير من أسباب النوم الثقيل ، ومن أكل كثيراً ، تعب كثيراً ، ونام كثيراً ، فخسر كثيراً ، فليحرص الإنسان على التخفيف من العشاء .
16- الحذر من الخطأ في تطبيق سنة الاضطجاع بعد راتبة الفجر ، فربما سمع بعض الناس قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إذا صلّى أحدكم فليضطجع على يمينه ) رواه الترمذي رقم 420 وهو في صحيح الجامع 642 . وما ورد من أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا صلّى سنة الفجر يضطجع ، ثم يُؤذنه بلال للصلاة ، فيقوم للصلاة ، وربما سمعوا هذه الأحاديث ، فعمدوا إلى تطبيق هذه السنة الثابتة ، فلا يحسنون التطبيق ، بحيث يصلي أحدهم سنة الفجر ، ثم يضطجع على جنبه الأيمن ، ويغط في سبات عميق حتى تطلع الشمس ، وهذا من قلة الفقه في هذه النصوص ، فليست هذه الاضطجاعة للنوم ، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يؤذنه بلال للصلاة وهو مضطجع ، وكان أيضاً كما في الحديث الصحيح الذي رواه أحمد وابن حبان إذا عرس ( قبل ) الصبح وضع رأسه على كفه اليمنى ، وأقام ساعده رواه أحمد في المسند 5/298 وهو في صحيح الجامع رقم 4752 ، وهذه الكيفية في النوم تمنع من الاستغراق ؛ لأن رأس النائم في هذه الحالة يكون مرفوعاً على كفه وساعده ، فإذا غفا سقط رأسه ، فاستيقظ ، زد على ذلك أن بلالاً كان موكلاً بإيقاظه صلى الله عليه وسلم لصلاة الفجر .
17- جعل قيام الليل في آخره قبيل الفجر ، بحيث إذا فرغ من الوتر أذن للفجر ، فتكون العبادات متصلة ، وتكون صلاة الليل قد وقعت في الثلث الأخير - وهو زمان فاضل – فيمضي لصلاة الفجر مباشرة وهو مبكر ونشيط .
18- اتباع الهدي النبوي في كيفية الاضطجاع عند النوم ، بحيث ينام على جنبه الأيمن ، ويضع خده الأيمن على كفه اليمنى ، فإن هذه الطريقة تيسر الاستيقاظ ، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم بخلاف النوم بكيفيات أخرى ، فإنها تؤثر في صعوبة القيام .
19- أن يستعين بالقيلولة في النهار ، فإنها تعينه ، وتجعل نومه في الليل معتدلاً ومتوازناً .
20- ألا ينام بعد العصر ، ولا بعد المغرب ، لأن هاتين النومتين تسببان التأخر في النوم ، من تأخر نومه تعسر استيقاظه .
21- وأخيراً فإن الإخلاص لله تعالى هو خير دافع للإنسان للاستيقاظ للصلاة ، وهو أمير الأسباب والوسائل المعينة كلها ، فإذا وجد الإخلاص الذي يلهب القلب ويوقظ الوجدان ، فهو كفيل بإذن بإيقاظ صاحبه لصلاة الصبح مع الجماعة ، ولو نام قبل الفجر بدقائق معدوادات .
ولقد حمل الإخلاص والصدق بعض الحريصين على الطاعة على استعمال وسائل عجيبة تعينهم على الاستيقاظ تدل على اجتهادهم وحرصهم وتفانيهم ، فمن ذلك أن أحدهم كان يضع عنده عدة ساعات منبهة إذا نام ، ويجعل بين موعد تنبيه كل واحدة والأخرى بضع دقائق ، حتى إذا أطفأ التي دقت أولاً دقت الثانية بعدها بقليل وهكذا ، وكان أحدهم يربط في يده عند النوم خيطاً ، ويدليه من نافذة غرفته ، فإذا مر أحد أصحابه ذاهباً إلى المسجد جذب هذا الخيط فيستيقظ لصلاة الفجر .
فانظر يا رعاك الله ماذا يفعل الإخلاص والتصميم ، ولكن الحقيقة المرة هي أن ضعف الإيمان ، وقلة الإخلاص تكاد تكون ظاهرة متفشية في الناس اليوم ، والشاهد على ذلك ما نراه من قلة المصلين ونقص الصفوف في صلاة الفجر ، بالرغم من كثرة الساكنين حول المسجد في كثير من الأحياء .
على أننا لا ننكر أن هناك أفراداً يكون ثقل النوم عندهم أمراً مرضياً قد يُعذرون به ، لأنه أمر خارج عن الإرادة فمثل هذا عليه أن يلجأ إلى الله بالتضرع ، ويستفيد ما استطاع من الوسائل الممكنة ، وأن يراجع الطبيب لمحاولة إيجاد علاج .
وأخيراً هذا تنبيه على أمر مشتهر بين الناس وهو زعمهم بأن هناك حديثاً مفاده أنّ من أراد الاستيقاظ لصلاة الفجر فعليه أن يقرأ قبل النوم آخر سورة الكهف ، وينوي بقلبه القيام في ساعة معينة ، فيقوم ، ويزعمون أن ذلك مجرب ، ونقول لهم : إنه لم يثبت بذلك حديث ، فلا عبرة به ، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم .
كثرة الضحك
وهذه شكوى من ظاهرة كثرة الضحك بين الناس ، وبخاصة الشباب يقول السائل :
مجالسنا التي نجلس فيها مع الإخوان والزملاء يكثر فيها الضحك كثرة مفرطة ، وهذه الظاهرة تتفشى وتنتشر فما هو العلاج ؟ .
الجواب : إن علاج هذه الشكوى يأتي من جانبين : جانب علمي ، وجانب عملي .
أما الجانب العلمي : فيضمن أمرين :
أولها : أن نعلم كيف كان هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الضحك ، فهو خير قدوة في ذلك وفي كل شيء .
فقد ورد في الحديث الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم ان لا يضحك إلا تبسماً رواه أحمد في المسند 5/97 وهو في صحيح الجامع 4861 . في الحديث الآخر أنه صلى الله عليه وسلم كان طويل الصمت قليل الضحك . رواه أحمد في المسند 5/86 وهو في صحيح الجامع 4822 . وقالت عائشة رضي الله عنها : ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قط مستجمعاً ضاحكاً ، حتى أرى منه لهواته وإنما كان يتبسم . رواه أبو داود رقم 5098
ففي الحديث الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم قال : ( لا تكثروا الضحك ، فإن كثرة الضحك تميت القلب ) رواه ابن ماجه رقم 4193 وهو في السلسلة الصحيحة رقم 506 . وفي رواية : ( فإن كثرة الضحك فساد القلب ) وإن من التفريط بعد ذلك أن يركب المسلم ثبجاً يعلم أن فيه العطب .
هذا هو الجانب العملي في الحل بإيجاز .
وقبل الدخول في الجانب العملي لا بد أن نعلم أن الضحك ليس أمراً محرماً أو أن المسلم لا بد أن يكون عبوساً خشناً مكفهر الوجه ؛ فإن الضحك أمر جبلي طبعي : ( وأنه هو أضحك وأبكى ) ولكن المشكلة التي نحن بصدد علاجها والتحذير من آثارها .
- هي أن تكون المجالس مدوية بالقهقهات المتجاوبة .
- هي أن يُفسد المؤمن قلبه بكثرة الضحك وفغر الفم ، بدلاً من أن يكون جاداً سليماً .
- هي أن يجعل الداعية كثرة إضحاك الناس وسيلة كما يزعم لكسب الناس ، من أجل التأثير عليهم وإفادتهم ، وما علم أنهم يلتفون حوله ليضحكوا فقط ، وما أقل استفادتهم منه .
إن المشكلة هي أن يجعل بعض الناس كثرة الضحك متنفساً له من همومه وكروبه ، مستبدلاً الذي هو أدنى بالذي هو خير ، أذكر أن شاباً كان يعاني يوماً من هموم تخلفه في دراسته ، ومشكلاته مع أهله ، وغير ذلك ، فخرج من بيته ، فصادفه في الطريق أخ له ، فقال : أين أنت ذاهب ؟ فقال : أنا مهموم مغموم ، وسأذهب إلى فلان الفلاني ، لكي يضحكني وينسيني أحزاني .. هكذا قال ، وما شعر أن إضحاك هذا الشخص له إنما هو بمثابة المخدر ، يُنسي المرء أتراحه ما دام تحت تأثيره ، فإذا انتهى عادت إليه كما كانت .
وكان خليقاً ألا يغفل عن العلاج النبوي للهم والحزن والكرب ، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر صلّى صحيح الجامع 4703 وكان إذا كربه أمر قال : ( يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث ) صحيح الجامع 4777 وفي الحديث الصحيح الآخر : كان إذا نزل به هم أو غم قال : ( يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث ، الله ربي ولا أشرك به شيئاً ) صحيح الجامع 4791 .
وفي دعاء الهم والغم المشهور : ( اللهم إني عبدك ، وابن عبدك ، وابن أمتك .. الخ الحديث )
وهذه وطاءة لابد من الإلمام بها قبل الخوض في الجانب العملي في مداواة ظاهرة الإفراط في الضحك ، ذلك الجانب الذي يمكن تحقيقه بوسائل منها :
1- تذكر الموت ، والقبر ، واليوم الآخر ، وما فيه من الحساب ، الصراط والنار ، وسائر الأهوال ، وتربية هذا التذكر بتدبر النصوص التي تصور هذه المشاهد ، وبالقراءة في شرح تفاصيلها ، وبمجالسة أهل الزهد والقلوب اللينة .
2- التأمل في واقع المسلمين ، وما يعانون منه من ابتعاد عن الدين ، وتخلف في جميع المجالات ، وما يتعرضون له من قهر وإيذاء وإبادة شرسة ، وما يحاك حولهم من تآمر عالمي ، فإذا تأمل المسلم هذه الأحوال تأملاً عميقاً صادقاً ، فلا بد أن يكون له أثر في ضحكه وبكائه .
3- أن يستشعر ثقل الأمانة الملقاة على عاتقه تجاه أمته ، فإن أمته تتطلب جهوداً ضخمة لإنقاذهما من أوهاق التردّي والسقوط ، فإذا جعل هذا الأمر همه فإنه سيمضي شُعلة من النشاط لإصلاح أهله وأصدقائه وأحبابه ومجتمعه بقدر المستطاع ، ولن يجد وقتا للتهريج المقيت ، والضحك الكثير والاهتمامات التافهة .
4- تجنب مخالطة الشخصيات الهزلية المعروفة بكثرة الإضحاك والتهريج ، والابتعاد عن المجالس التي تكون فيها ، مع محاولة النصح لهم ولمجالسيهم .
ومرت قبل قليل إشارة إلى أن بعض الدعاة قد يجعل الإضحاك وسيلة لكسب الناس ، حتى قال بعض العامة أين الشيخ الذي يضحك ؟ نريد الشيخ الذي يضحك وهذه دركة نربأ بالأمة أن تهوي فيها ، فإن دين الله عظيم متين : ( إنه لقول فصل وما هو بالهزل ) ( خذوا ما آتيناكم بقوة ) وفي الحديث : ( لو تعلمون ما أعلم ؟ لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً ، ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله ) لو أننا أدركنا حق الإدراك ماذا يراد منا ، وماذا أمامنا ، لما اكتحلت أجفاننا بنوم هنيء .
5- أن يجتهد في رد الضحك ما استطاع عن نفسه وعن غيره فقد يجتمع المجلس مع القوم تعودوا أن يكون غالب وقتهم ضحكاً وقهقهة ، فعليه أولاً أن يكظم الضحك عن نفسه كما يرد التثاؤب ، وثانياً أن يرشد الحاضرين ويُعينهم على أنفسهم ، وهذا يحتاج إلى رجل جاد حازم لبق ، والناس ولله الحمد فيهم خير كثير ، واستعداداً للاستجابة لداعي الإصلاح والتقويم ، وهذا الإرشاد يمكن أن تُسلك إليه سبل مختلفة : كأن تذكر لهم مساوئ الضحك والإضحاك ، مثل أنه يقود إلى الكذب والاختلاق ، حيث يضطر "المهرج" إذا لم يجد قصة أو حادثة حقيقة إلى صناعة قصص من نسج الخيال ، ليجعلها مادة للإضحاك ، وهذا الشخص قد توعده النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ( ويل للذي يحدث فيكذب ليضحك القوم .. ويل له ، ويل له ) صحيح الجامع 7136 . كما أن من مساوئه أنه يؤدي إلى اهتزاز الشخصية وسقوطها من الأعين ، فإن مُضحك القوم وإن ظهر له أنه ذو مكانة بينهم ليس إلا محتقراً لديهم ، ولا يقدرونه ولا يوقرونه ، وقل مثل ذلك في الذي لا تراه إلا مغرقاً من الضحك .
6- تغيير الموضوع الذي قاد إلى الضحك إلى موضوع آخر مفيد ، فإذا رأيت أن الحاضرين قد تجاوزوا حدّ الاعتدال في الضحك ، وأسلموا قيادهم لدواعيه ، فتسلل إلى قلوبهم بالأسلوب المناسب ، لنقلهم إلى عالم الجد واستثمار الوقت ؛ بقراءة في كتاب نافع ، أو بطرح موضوع مهم للنقاش وإبداء الآراء ، أو دعوة للاتفاق على عمل إصلاحي خيري ، أو غير هذا أو ذاك من الأمور التي يحبها الله ويرضاها .
7- فإذا بلغ السيل الزبى ، وجاوز الأمر حده ، بأن أبى الجالسون إلا الإغراق في الضحك ، والمضي في طريق الغفلة ، فإن آخر العلاج الكي ، قم من المجلس وفارقه ، حماية لنفسك ، ووقاية لقلبك من الفساد ، بعد أن أديت ما عليك من واجب التوجيه والنصح ، ( ولا تزر وازرة وزر أخرى )
الوساوس الشيطانية
وهذا سائل يقول :
إنني أشكو من كثرة الوساوس المتعلقة بذات الله عز وجل ، تطوف بخاطري أفكار لا أستطيع أن أذكرها ، لأنها لا تليق بالله سبحانه ولكني أعاني من ترددها على ذهني كثيراً ، في الصلاة وخارج الصلاة ، حتى شككت في إيماني ، وارتبت هل أنا مسلم أو لا ، فما علاج هذه المصيبة ؟ .
الجواب : الحمد لله حمداً كثيراً وبعد :
فقد وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم جملة أحاديث فيها حل هذه المشكلة ، وعلاج هذه الشكوى ولله الحمد :
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( إن الشيطان يأتي أحدكم فيقول فمن خلق الله فإذا وجد أحدكم ذلك فليقل آمنت بالله ورسله فإن ذلك يذهب عنه ) صحيح الجامع 1657 . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن الشيطان يأتي أحدكم فيقول : من خلق السماء ؟ فيقول : الله ، فيقول : من خلق الأرض ؟ فيقول : الله ، فيقول : من خلق الله ؟ فإذا وجد ذلك أحدكم فليقل : آمنت بالله ورسوله ) صحيح الجامع 1656 .
وقال صلى الله عليه وسلم : ( من وجد من هذا الوسواس ، فليقل : آمنت بالله ورسوله ثلاثاً فإن ذلك يذهب عنه ) صحيح الجامع 6587 .
وقال عليه الصلاة والسلام : ( يأتي الشيطان أحدكم ، فيقول : من خلق كذا ؟ من خلق كذا ؟ حتى يقول : من خلق ربك ؟ فإذا بلغه فليستعذ بالله ولينته ) صحيح الجامع 7993 .
وقال صلى الله عليه وسلم : ( يوشك الناس يتساءلون ، حتى يقول قائلهم : هذا الله خلق الخلق ، فمن خلق الله ؟ فإذا قالوا ذلك ؛ فقولوا : الله أحد ، الله الصمد ، لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفواً أحد ثم ليتفل عن يساره ثلاثاً ، وليستعذ من الشيطان ) صحيح الجامع 8182 .
وقال صلى الله عليه وسلم : ( تفكروا في آلاء الله ، ولا تفكروا في الله ) صحيح الجامع 2975 . وقال صلى الله عليه وسلم : ( تفكروا في خلق الله ، ولا تفكروا في الله ) صحيح الجامع 2976 .
من هذه النصوص نستطيع أن نستخلص ست وسائل للتغلب على هذه الوساوس والأفكار :
1- أن يقول المرء إذا انتابته هذه الخواطر : آمنت بالله ورسوله .
2- أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم ، فيقول مثلاً : ( أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم ، من همزه ونفخه ونفثه ) .
3- أن يتفل عن يساره ثلاثاً .
4- أن ينتهي عما هو فيه ، كما قال صلى الله عليه وسلم : " ولينته " ، وهذه وسيلة مهمة ؛ فإن الاستطراد مع الشيطان في هذه الوساوس يزيد نارها اشتعالاً وضراماً ، والواجب أن يقطع المسلم هذه الخواطر بقدر المستطاع ، وأن يشغل ذهنه بالمفيد النافع .
5- أن يقرأ سورة الإخلاص ( قل هو الله أحد ) فإن فيها ذكر صفات الرحمن ، ولذلك كانت تعدل ثلث القرآن ، وقراءة هذه السورة العظيمة وتدبرها كفيل بقطع هذه الوساوس .
6- أن يتفكر الإنسان في خلق الله ، وفي نعم الله ، ولا يتفكر في ذات الله ، لأنه لن يصل بعقله القاصر إلى تصور ذات الله ، قال تعالى : ( ولا يحيطون به علماً )
السهر
وهذه شكوى من مشكلة السهر ، وعدة أسئلة تدعو إلى حل هذه المشكلة ، فإن كثيراً من الناس يضيعون أوقاتاً طويلة جداً في السهر .
والجواب : إن السهر ليس نوعاً واحداً ، وإنما ينقسم إلى ثلاثة أقسام :
القسم الأول : السهر في طاعة الله تعالى وهو سهر محمود ، ومنه السهر في مصالح المسلمين العامة ، كالجهاد والرباط في الثغور ، ومنه السهر في إحياء الليل بالقيام وتلاوة القرآن : ( كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون ، وبالأسحار هم يستغفرون )
ولا ننسى في هذا المقام الصحابي الجليل الذي كان يحرس المسلمين ليلاً ، ويقضي وقت الحراسة في الصلاة ، فرُمي بسهم من المشركين ، فأصابه السهم ، فأخذ دمه يسيل ، وهو مع ذلك ماض في صلاته يتلذذ بمناجاة ربه الكريم .
وورد عن بعض أهل العلم أنهم تذاكروا الحديث حتى طلع الفجر ولقد كان الدعاة المخلصون ولا زالوا يسهرون الليل في مناقشة الأمور التي تؤرق الغيورين على الأمة ، وتقض مضاجعهم ، وتطرد الوسن عن عيونهم ، ومن ذلك مثلاً ما كان يجري بين الشيخين : عبد الحميد بن باديس والبشير الإبراهيمي ، مؤسس جمعية العلماء المسلمين بالجزائر ، فقد كانا في فترة وجودهما في المدينة يسهران الليل كله إلى الفجر ، يناقشان أوضاع الأمة الإسلامية ، وما تردت إليه من البدع والخرافات والتخلف ، ويخططان لانتشال المجتمع الجزائري من هذا التردي .
هذا النوع من السهر سهر محمود كله ، إذا لم يؤد إلى تضييع مصلحة راجحة أو واجب شرعي أعلى منه ، فإن بعض الناس قد يسهرون في أمر شرعي ، ثم تفوتهم صلاة الفجر ، وهذا خطأ وخلل .
القسم الثاني : السهر المباح : وهو ما كان على أمر مباح ، شريطة ألا يؤدي إلى تضيع واجب ، فمن ذلك مثلاً محادثة المسافرين لبعضهم لتهوين مشقة السفر على أنفسهم ، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتكلم مع بعض نسائه ، يؤانسها وهو في طريق سفر .
ومنه مسامرة الضيف ومؤانسته بالحديث .
ومنه سهر كثير من الناس اليوم في أعمالهم الليلة ، في هذه النوبات التي أوجدتها الأحوال المادية ولا ريب أن بعض مصالح المسلمين تقتضي أن يكون هناك من يعمل ليلاً ، كالعمل في الأمن ، والمستشفيات ، والمطارات ، والكهرباء ، وغير ذلك .
القسم الثالث : السهر في معصية الله عز وجل كالسهر في مشاهدة الأفلام ، والألعاب المحرمة كلعب الورق ، أو في أكل لحوم الناس بالغيبة والشتائم والبهتان وما شابه ذلك من أنواع المعاصي .
وهذا السهر محرم ، يأثم أصحابه ويستحقون العقوبة من الله ، وقد كثروا في هذا الزمان ؛ لأسباب بعضها مذكور في قول الشاعر :
إن الشباب والفراغ والجدَه مفسدة للمرء أيّ مفسده
هذه هي أقسام السهر الثلاثة ، فيجب أن نفرق بين كل قسم والآخر .
وفي زماننا هذا انتشر السهر لأسباب منها :
1- السهر للمصالح الدنيوية ، مثل سهر بعض التجار في تدبير أمور تجارتهم ، وسهر بعض الطلاب في مذاكرة المقررات الدراسية ، وينبغي لهؤلاء ومن شاكلهم أن يجتهدوا في ترتيب أوقاتهم ترتيباً يُغنيهم عن السهر المؤدي إلى المفاسد .
2- طبيعة العصر الحاضر التي غيرت الأوضاع الاجتماعية ، فلئن كان القدماء يشرعون في الهدوء والهجعة منذ حلول الظلام ، فإن وجود الكهرباء في عصرنا يحمل الناس على أن يمارسوا كثيراً من الأنشطة والأعمال والعلاقات التي لم يكونوا ليمارسوها في الظلام ، حتى لقد أصبح ليل بعض الناس كنهارهم .
3- انصراف كثير من الناس إلى ما يبث من برامج وفنون في وسائل الإعلام المختلفة : من إذاعة وتلفاز ، وما يسمى الفيديو وغيره .
4- جعل أكثر الناس زياراتهم وبرامجهم وعلاقاتهم العائلية وغير العائلية في الليل بسبب طبيعة الأعمال والدراسة ، فأصبحت تجد من النادر أن يزورك أحد في النهار ، إلا في عطلة الأسبوع ، وحتى مجالس العلم صار كثير منها يقام بعد صلاة العشاء .
5- انهماك بعض الناس في الثرثرة والأحاديث المتداعية الطويلة ، وربما أزعجوا الآخرين بثرثرتهم وضحكاتهم ، ولعل انتشار هذه الظاهرة في أوساط الطلاب في الإسكانات الجامعية أكثر وضوحاً ، حيث يقوم بعض الضيوف الثقلاء بزيارتهم في سكنهم ، ويمضون معهم الليل في القيل والقال ، ويلحقون الضرر بأنفسهم وبغيرهم ، ثم يضيعون كثيراً من الواجبات .
6- الأرق : والأرق يسببه في كثير من الأحيان مقارفة المعاصي والبعد عن الله تعالى ، فإن البعيد عن ربه لا يمكن أن يذوق الطمأنينة والأنس ، وإنما هو في قلق دائم ووحشة واضطراب .
كما أن للمشكلات العائلية والمادية والدراسية والعملية وغيرها أثراً بارزاً في إحداث القلق والأرق لدى الشخص حتى تنجلي أسبابها .
على أننا لا ننكر أن هناك من يحرمه الأرق من لذيذ الكرى بسبب خوفه من الله ، وحرصه على صلاح أمته الأسيرة .
وبعد استعراض أقسام السهر وأبرز أسبابه ، نتجه لبيان الأسباب المعينة على علاج هذه الشكوى التي أصبحت وباء فاشياً .
وعلاجها من الناحية العلمية التأملية : أن يتفكر المرء في ما يترتب على السهر من الأضرار الجسمية ، وتفويت المصالح العظيمة ، فمن ذلك :
1- تضييع الواجبات الشرعية ، مثل تضييع صلاة الفجر كما أسلفنا إما بالتخلف عن الجماعة ، أو بقضائها في غير وقتها ، أو بأدائها مع الجماعة لكن دون خشوع وإحساس بسبب الإعياء الشديد الذي يجعله يصارع النعاس ولا يفقه من صلاته شيئاً ، فلا يدري ما قرأ الإمام ، ولا في أي ركعة هو ، ولا يتدبر ما يقوله في سجوده وركوعه وقيامه وقعوده ، ولذلك نهى رسول صلى الله عليه وسلم عن الحديث بعد صلاة العشاء .
2- الأضرار الجسدية : ذلك أن جعل الليل للحركة والنهار للسكون مصادم للطبيعة التي خلقها الله في الأرض والنفوس : ( وجعلنا الليل لباساً وجعلنا النهار معاشاً ) ( قل أرأيتم إن جعل الله عليكم الليل سرمداً إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بضياء ) ( قل أرأيتم إن جعل الله عليكم النهار سرمداً إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه … )
ولهذا فإننا نجد القوم الذين تنكبوا الصراط ، وخالفوا الفطرة ، في حالة صحية سيئة مضطربة ، وإن نوم ساعة من الليل قد يعدل نوم ضعفها في غيره ، كما هو مجرب ومشاهد .
3- تقصير كثير من الموظفين في أعمالهم ، بحيث يأتي الموظف إلى عمله منهكاً متأخراً ، فيكون أداؤه ضعيفاً ، وتعامله مع المراجعين سيئاً ، وربما كان في بعض راتبه شبهة بسبب تقصيره في عمله .
وقل مثل ذلك في شأن الطلاب الذين يسهرون ، ثم يأتون للمدرسة أو الجامعة متأخرين ، وقد ضربوا بالمحاضرات الأولى عرض الحائط ، ثم يجلس أحدهم كرسياً على كرسي ، لا يستوعب معلومة ، ولا ينتبه لشرح .
4- أنه يؤدي إلى النوم في غير وقت النوم ، فينام السهران مثلاً بعد العصر ، والنوم بعد العصر لغير الحاجة كرهه السلف ، أما الحاجة فلا بأس به . ثم إن هذا يسبب صداعاً وتفويتاً لوقت حيوي من اليوم .
5- أنه يعيق عن بعض العبادات التطوعية ، فإحياء الثلث الآخر من الليل مثلاً ، كيف يستطيعه السهران ؟! والتسحر لصيام التطوع ، كيف يطيق الاستيقاظ له ؟! ولا شك أن الإعياء والإجهاد سيثنيه عن النهوض ، فيفوت على نفسه خيراً كثيراً .
6- فوات بركة البكور في أول النهار ، فإن الذين يسهرون ينامون بعد صلاة الفجر ، فيحرمون أنفسهم من الوقت الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم : ( بورك لأمتي في بكورها ) صحيح الجامع 2841 . ولا يقدرون على المكث في المسجد إلى طلوع الشمس لذكر الله ، ولا يخرجون إلى أرزاقهم مبكرين في وقت البركة والفضيلة ، وقد عم ذلك فينا ، حتى أصبحنا نرى من النادر أن يفتح تاجر متجره في وقت مبكر مثلاً .
إذا علم العاقل بهذه الأضرار الناجمة عن السهر ، وبفداحة الخسارة التي يمنى بها من جرائه ، فلا ريب أنه سيسعى سعياً حثيثاً لتصحيح وضعه ، واستدراك ما فاته ، وبذلك يكون قد وضع رجله في أول طريق العلاج .
وهذه إشارات إلى جوانب عملية في حل المشكلة يسترشد بها من يريد الوصول إلى ذلك العلاج :
1- بذل الوسع في تعويد النفس على النوم المبكر ، فإن السهر في الأصل عادة ، فإذا انبرى المرء لجهاد نفسه بحزم وبتصميم فإنه ينتصر عليها بإذن الله في بضعة أيام ويسير في ركاب المبكرين في النوم .
2- الزواج فإن كثيراً من الشباب العزاب غير منضبطين في حياتهم ، بل يسهرون معاً ، ويشجع بعضهم بعضاً على السهر ، إذ ليس وراءهم أولاد ولا زوجات ، أما المتزوج فإنه يشعر أن في عنقه مسؤولية زوجته وأولاده ، فيحرص على العودة إليهم مبكراً لئلا يقلقوا ، أو يخافوا أو يحتاجوا إليه في هجعة الليل ، وهو ليس في البيت ، ومن جرب عرف .
3- تنمية الإحساس بالمسؤولية في شتى المجالات التي تعينه ؛ فإن المرء يحس أن على كاهله حملاً لابد أن يؤديه ، لا يمكن أن يهدر وقته ويفرط فيه ، في حين نجد غير المبالي يبدد كنوز الأوقات في سفاسف الأمور ، ولا يقدرها قدرها .
4- تعويض الحاجة إلى النوم بالقيلولة ، بدلاً من النوم في غير أوقات النوم ، فإن النوم بعد العصر أو قبل العشاء مضر كما أسلفنا وقد أوصى عليه الصلاة أمته بقوله : ( قيلوا فإن الشياطين لا تقيل ) صحيح الجامع 4431 هذه بعض الوسائل العملية لعلاج مشكلة السهر ، والله الهادي إلى سواء السبيل .
سرعة الغضب
وهذه شكوى من شخص يقول : إنني شديد الانفعال ، سريع الغضب ، وإذا حصل لي استفزاز ، فسرعان ما أثور فأكسر وأشتم وألعن وأرمي بالطلاق وقد سببت لي هذه المشكلة حرجاً كبيراً ، وكرهني أكثر الناس ، حتى زوجتي وأولادي وأعز أصدقائي ، فماذا أفعل للتخلص من هذا الداء الوبيل وإطفاء هذه النار الشيطانية ؟ .
الجواب : الغضب نزعة من نزعات الشيطان ، يقع بسببه من السيئات والمصائب ما لا يعلمه إلا الله ، ولذلك جاء في الشريعة ذكر واسع لهذا الخلق الذميم ، وورد في السنة النبوية علاجات للتخلص من هذا الداء وللحد من آثاره ، فمن ذلك :
1- الاستعاذة بالله من الشيطان : عن سليمان بن صرد قال : كنت جالساً مع النبي صلى الله عليه وسلم ورجلان يستبان ، فأحدهما احمر وجهه وانتفخت أوداجه ( عروق من العنق ) فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إني لأعلم كلمة لو قالها ذهب عنه ما يجد ، لو قال أعوذ بالله من الشيطان ذهب عنه ما يجد ) . رواه البخاري ، الفتح 6/377 . وقال صلى الله عليه وسلم : ( إذا غضب الرجل فقال أعوذ بالله ، سكن غضبه ) صحيح الجامع الصغير رقم 695 .
2- السكوت : قال رسول صلى الله عليه وسلم : ( إذا غضب أحدكم فليسكت ) رواه الإمام أحمد المسند 1/239 ، وفي صحيح الجامع 693 ، 4027 . وذلك أن الغضبان يخرج عن طوره وشعوره غالباً فيتلفظ بكلمات قد يكون فيها كفر والعياذ بالله أو لعن أو طلاق يهدم بيته ، أو سب وشتم يجلب له عداوة الآخرين ، وبالجملة فالسكوت هو الحل لتلافي كل ذلك .
3- السكون : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس ، فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع ) .
وراوي هذا الحديث أبو ذر رضي الله عنه ، حدثت له في ذلك قصة : فقد كان يسقي على حوض له فجاء قوم فقال : أيكم يورد على أبي ذر ويحتسب شعرات من رأسه ؟ فقال رجل أنا فجاء الرجل فأورد عليه الحوض فدقه " أي كسره أو حطمه والمراد أن أبا ذر كان يتوقع من الرجل المساعدة في سقي الإبل من الحوض فإذا بالرجل يسيء في هدم الحوض " وكان أبو ذر قائماً فجلس ثم اضطجع فقيل له : يا أبا ذر لم جلست ثم اضطجعت ؟ قال فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم .. وذكر الحديث " الحديث بقصته في مسند أحمد 5/152 وانظر صحيح الجامع رقم 694 " . وفي رواية كان أبو ذر يسقي على حوض فأغضبه رجل فقعد .. فيض القدير المناوي 1/408 .
ومن فوائد هذا التوجيه النبوي منع الغاضب من التصرفات الهوجاء لأنه قد يضرب أو يؤذي بل قد يقتل كما سيرد بعد قليل وربما أتلف مالاً ونحوه ، ولأجل ذلك إذا قعد كان أبعد عن الهيجان والثوران ، وإذا اضطجع صار أبعد ما يمكن عن التصرفات الطائشة والأفعال المؤذية ، قال العلامة الخطابي رحمه الله في شرحه على أبي داود : ( القائم متهيئ للحركة والبطش والقاعد دونه في هذا المعنى ، والمضطجع ممنوع منهما ، فيشبه أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم إنما أمره بالقعود والاضطجاع لئلا يبدر منه في حال قيامه وقعوده بادرة يندم عليها فيما بعد ) . والله أعلم سنن أبي داود ، ومعه معالم السنن 5/141 .
4- حفظ وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم : عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم أوصني قال : لا تغضب ، فردد ذلك مراراً ، قال : لا تغضب رواه البخاري فتح الباري 10/465 .
وفي رواية قال الرجل : ففكرت حين قال النبي صلى الله عليه وسلم ما قال ، فإذا الغضب يجمع الشر كله . مسند أحمد 5/373
5- لا تغضب ولك الجنة حديث صحيح : صحيح الجامع 7374 ، وعزاه ابن حجر إلى الطبراني ، انظر الفتح 4/465
إن تذكر ما أعد الله للمتقين الذين يتجنبون أسباب الغضب ويجاهدون أنفسهم في كبته ورده لهو من أعظم ما يعين على إطفاء نار الغضب ، ومما ورد الأجر العظيم في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم : ( ومن كظم غيظاً ، ولو شاء أن يمضيه أمضاه ، ملأ الله قلبه رضاً يوم القيامة ) رواه الطبراني 12/453 وهو في صحيح الجامع 176 . وأجر عظيم آخر في قوله صلى الله عليه وسلم : ( من كظم غيظاً وهو قادر على أن يُنفذه ، دعاه الله عز وجل على رؤوس الخلائق يوم القيامة حتى يخيره من الحور العين ما شاء ) رواه أبو داود 4777 وغيره ، وحسنه في صحيح الجامع 6518 .
6- معرفة الرتبة العالية والميزة المتقدمة لمن ملك نفسه : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ليس الشديد بالصرعة ، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب ) رواه أحمد 2/236 والحديث متفق عليه وكلما انفعلت النفس واشتد الأمر كان كظم الغيظ أعلى في الرتبة ، قال عليه الصلاة والسلام : ( الصرُّعة كل الصرعة الذي يغضب فيشتد غضبه ويحمر وجهه ، ويقشعر شعره فيصرع غضبه ) رواه الإمام أحمد 5/367 ، وحسنه في صحيح الجامع 3859 . وينتهز عليه الصلاة والسلام الفرصة في حادثة أمام الصحابة ليوضح هذا الأمر ، فعن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بقوم يصطرعون ، فقال : ما هذا ؟ قالوا : فلان الصريع ما يصارع أحداً إلا صرعه قال : أفلا أدلكم على من هو أشد منه ، رجل ظلمه رجل فكظم غيظه فغلبه وغلب شيطانه وغلب شيطان صاحبه ) رواه البزار قال ابن حجر بإسناد حسن ، الفتح 10/519 .
7- التأسي بهديه صلى الله عليه وسلم في الغضب :
وهذه السمة من أخلاقه صلى الله عليه وسلم ، وهو أسوتنا وقدوتنا ، واضحة في أحاديث كثيرة ، ومن أبرزها : عن أنس رضي الله عنه قال : كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعليه برد نجراني غليظ الحاشية ، فأدركه أعرابي فجبذه بردائه جبذة شديدة ، فنظرت إلى صفحة عاتق النبي صلى الله عليه وسلم " أي ما بين العنق والكتف " وقد أثرت بها حاشية البرد ، ثم قال : يا محمد مر لي من مال الله الذي عندك ، فالتفت إليه النبي صلى الله عليه وسلم فضحك ، ثم أمر له بعطاء رواه البزار قال ابن حجر بإسناد حسن ، الفتح 10/519 .
ومن التأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم أن نجعل غضبنا لله ، وإذا انتهكت محارم الله ، وهذا هو الغضب المحمود فقد غضب صلى الله عليه وسلم لما أخبروه عن الإمام الذي يُنفر الناس من الصلاة بطول قراءته ، وغضب لما رأى في بيت عائشة ستراً فيه صور ذوات أرواح ، وغضب لما كلمه أسامة في شأن المخزومية التي سرقت ، وقال : أتشفع في حد من حدود الله ؟ وغضب لما سُئل عن أشياء كرهها ، وغير ذلك ، فكان غضبه صلى الله عليه وسلم لله وفي الله .
8- معرفة أن رد الغضب من علامات المتقين :
وهؤلاء الذين مدحهم الله في كتابه ، وأثنى عليهم رسوله صلى الله عليه وسلم ، وأعدت لهم جنات عرضها السماوات والأرض ، ومن صفات أنهم : ) ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين ) وهؤلاء الذين ذكر الله من حسن أخلاقهم وجميل صفاتهم وأفعالهم ، ما تشرئب الأعناق وتتطلع النفوس للحوق بهم ، ومن أخلاقهم أنهم : ( إذا ما غضبوا هم يغفرون ) .
9- التذكر عند التذكير :
الغضب أمر من طبيعة النفس يتفاوت فيه الناس ، وقد يكون من العسير على المرء أن لا يغضب ، لكن الصدِّيقين إذا غضبوا فذُكروا بالله ذكروا الله ووقفوا عند حدوده ، وهذا مثالهم .
عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رجلاً استأذن على عمر رضي الله عنه فأذن له ، فقال له : يا ابن الخطاب والله ما تعطينا الجزل " العطاء الكثير " ولا تحكم بيننا بالعدل فغضب عمر رضي الله عنه حتى هم أن يوقع به ، فقال الحر بن قيس ، وكان من جلساء عمر : يا أمير المؤمنين إن الله عز وجل قال لنبيه صلى الله عليه وسلم : ( خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين ) وإن هذا من الجاهلين ، فو الله ما جاوزها عمر رضي الله عنه حين تلاها عليه ، وكان وقافاً عند كتاب الله عز وجل رواه البخاري الفتح 8/304 . فهكذا يكون المسلم ، وليس مثل ذلك المنافق الخبيث الذي لما غضب أخبروه بحديث النبي صلى الله عليه وسلم وقال له أحد الصحابة تعوذ بالله من الشيطان ، فقال لمن ذكره : أترى بي بأس أمجنون أنا ؟ اذهب رواه البخاري فتح 1/465 نعوذ بالله من الخذلان .
10- معرفة مساويء الغضب :
وهي كثيرة مجملها الإضرار بالنفس والآخرين ، فينطلق اللسان بالشتم والسب والفحش وتنطلق اليد بالبطش بغير حساب ، وقد يصل الأمر إلى القتل ، وهذه قصة فيها عبرة .
عن علقمة بن وائل أن أباه رضي الله عنه حدثه قال : إني لقاعد مع النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاء رجل يقود آخر بنسعة " حبل مضفور " فقال : يا رسول الله هذا قتل أخي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أقتلته ؟ قال : نعم قتلته ، قال : وكيف قتلته ، قال : كنت أنا وهو نتخبط ( نضرب الشجر ليسقط ورقه من أجل العلف ) من شجرة ، فسبني فأغضبني فضربته بالفأس على قرنه ( جانب الرأس ) فقتلته .. إلى آخر القصة . رواه مسلم في صحيحه 1307 .
وقد يحصل أدنى من هذا فيكسر ويجرح ، فإذا هرب المغضوب عليه عاد الغاضب على نفسه ، فربما مزق ثوبه ، أو لطم خده ، وربما سقط صريعاً أو أغمي عليه ، وكذلك قد يكسر الأواني ويحطم المتاع .
ومن أعظم الأمور السيئة التي تنتج عن الغضب وتسبب الويلات الاجتماعية وانفصام عرى الأسرة وتحطم كيانها ، هو الطلاق ، واسأل أكثر الذين يطلقون نساءهم كيف طلقوا ومتى ، فسينبئونك : لقد كانت لحظة غضب .
فينتج عن ذلك تشريد الأولاد ، والندم والخيبة ، والعيش المر ، وكله بسبب الغضب ، ولو أنهم ذكروا الله ورجعوا إلى أنفسهم ، وكظموا غيظهم واستعاذوا بالله من الشيطان ما وقع الذي وقع ولكن مخالفة الشريعة لا تنتج إلا الخسار .
وما يحدث من الأضرار الجسدية بسبب الغضب أمر عظيم كما يصف الأطباء كتجلط الدم ، وارتفاع الضغط ، وزيادة ضربات القلب ، وتسارع معدل التنفس ، وهذا قد يؤدي إلى سكتة مميتة أو مرض السكري وغيره ، نسأل الله العافية .
11- تأمل الغاضب نفسه لحظة الغضب :
لو قدر لغاضب أن ينظر إلى صورته في المرأة حين غضبه لكره نفسه ومنظره ، فلو رأى تغير لونه ، وشدة رعدته ، وارتجاف أطرافه ، وتغير خلقته ، وانقلاب سحنته ، واحمرار وجهه ، وجحوظ عينيه وخروج حركاته عن الترتيب وأنه يتصرف مثل المجانين لأنف من نفسه ، واشمأز من هيئته ، ومعلوم أن قبح الباطن أعظم من قبح الظاهر ، فما أفرح الشيطان بشخص هذا حاله ! نعوذ بالله من الشيطان والخذلان .
12- الدعاء :
هذا سلاح المؤمن دائماً يطلب من ربه أن يخلصه من الشرور والآفات والأخلاق الرديئة ، ويتعوذ بالله أن يتردى في هاوية الكفر أو الظلم بسبب الغضب ، ولأن من الثلاث المنجيات : العدل في الرضا والغضب صحيح الجامع 3039 كان من دعائه عليه الصلاة والسلام : ( اللهم بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق أحيني ما علمت الحياة خيراً لي ، وتوفني إذا علمت الوفاة خيراً لي ، اللهم وأسألك خشيتك في الغيب والشهادة ، وأسألك كلمة الإخلاص في الرضا والغضب ، وأسألك القصد في الفقر والغنى وأسألك نعيماً لا ينفد ، وقرة عين لا تنقطع ، وأسألك الرضا بالقضاء ، وأسألك برد العيش بعد الموت ، وأسألك لذة النظر إلى وجهك والشوق إلى لقائك ، في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة ، اللهم زينا بزينة الإيمان واجعلنا هداة مهتدين ) . رواه النسائي في السنن 3/55 والحاكم وهو في صحيح الجامع 1301 . والحمد لله رب العالمين .
موقع الشيخ المنجد http://www.islam-qa.com
( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ) ( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً ، واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً ) ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ، ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً )
أما بعد :
فقد وردت إليّ أسئلة من بعض الإخوان في بعض الدروس والمحاضرات تتضمن أموراً مما يُعانون ومشكلات مما يواجهون من أمراض قلبية ومصاعب نفسية وعقبات واقعية .
وكانت الإجابات عن تلك الأسئلة المكتوبة والمشكلات المعروضة في سلسلة دروس بعنوان شكاوى وحلول .
وقد أعدت النظر فيها بعد إعدادها للكتابة وأقدمها اليوم إلى إخواني رجاء الدخول في حديثه صلى الله عليه وسلم : ( من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة .. والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه ) صحيح مسلم والله أسأل أن يوفقني وإخواني المسلمين لفعل الخيرات واجتناب السيئات والنجاة يوم الحسرات إنه خير مسؤول وهو كل شيء قدير .
النوم عن صلاة الفجر
أخ يشتكي ويقول : إن صلاة الفجر تفوتني في كثير من الأيام ، فلا أصليها في وقتها إلا نادراً ، والغالب ألا أستيقظ إلا بعد طلوع الشمس ، أو بعد فوات صلاة الجماعة في أحسن الأحوال ، وقد حاولت الاستيقاظ بدون جدوى ، فما حل هذه المشكلة ؟ .
الجواب : الحمد لله حمداً كثيراً وبعد : فإن حل هذه المشكلة – كغيرها – له جانبان : جانب علمي ، وجانب عملي .
أما الجانب العلمي فيأتي من ناحيتين :
الناحية الأولى : أن يعلم المسلم عظمة مكانة صلاة الفجر عند الله عز وجل ، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( من صلّى الصبح في جماعة فكأنما صلّى الليل كله ) مسلم ص 454 رقم 656 ، الترمذي 221 .
وقال عليه الصلاة والسلام : ( أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر ، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً ) رواه الإمام أحمد المسند 2/424 ، وهو في صحيح الجامع 133 ، وقال : ( من صلّى الفجر فهو في ذمة الله فلا يطلبنكم الله بشيء من ذمته ) ومعنى في ذمة الله : أي في حفظه وكلاءته سبحانه ، " من كتاب النهاية 2/168" والحديث رواه الطبراني 7/267 ، وهو في صحيح الجامع رقم 6344 . وقال أيضاً صلى الله عليه وسلم : ( يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر ، ثم يعرج الذين باتوا فيكم ، فيسألهم وهو أعلم بهم : كيف تركتم عبادي ، فيقولون : تركناهم وهم يصلون ، وأتيناهم وهم يصلون ) رواه البخاري الفتح 2/33 .
وفي الحديث الآخر : ( أفضل الصلوات عند الله صلاة الصبح يوم الجمعة ، في جماعة ) رواه أبو نعيم في الحلية 7/207 ، وفي السلسلة الصحيحة 1566 . وفي الحديث الصحيح : ( من صلّى البردين دخل الجنة ) رواه البخاري الفتح 2/52 . والبردان الفجر والعصر .
الناحية الثانية : أن يعلم المسلم خطورة تفويت صلاة الفجر ومما يبين هذه الخطورة الحديث المتقدم :
( أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر ) وفي الصحيح عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : ( كنا إذا فقدنا الرجل في الفجر والعشاء أسأنا به الظن ) رواه الطبراني في المعجم الكبير 12/271 ، قال الهيثمي رجال الطبراني موثقون المجمع 2/40 . وإنما تكون إساءة الظن بذلك المتخلف عن هاتين الصلاتين لأن المحافظة عليهما معيار صدق الرجل وإيمانه ، ومعيار يقاس به إخلاصه ، ذلك أن سواهما من الصلوات قد يستطيعها المرء لمناسبتها لظروف العمل ووقت الاستيقاظ ، في حين لا يستطيع المحافظة على الفجر والعشاء مع الجماعة إلا الحازم الصادق الذي يُرجى له الخير .
ومن الأحاديث الدالة على خطورة فوات صلاة الفجر قوله صلى الله عليه وسلم : ( من صلّى الصبح فهو في ذمة الله ، فلا يطلبنكم الله من ذمته بشيء ، فإن من يطلبه من ذمته بشيء يدركه ثم يكبه على وجهه في نار جهنم ) رواه مسلم ص 454 ، ومعنى من يطلبه من ذمته بشيء يدركه أي من يطلبه الله للمؤاخذة بما فرط في حقه والقيام بعهده يدركه الله إذ لا يفوت منه هارب ، حاشية صحيح مسلم ترتيب عبد الباقي 455 .
هاتان الناحيتان كفيلتان بإلهاب قلب المسلم غيرة ، أن تضيع منه صلاة الفجر فالأولى منهما تدفع للمسارعة في الحصول على ثواب صلاة الفجر ، والثانية هي واعظ وزاجر يمنعه من إيقاع نفسه في إثم التهاون بها .
وأما الجانب العملي في علاج هذه الشكاية فإن هناك عدة خطوات يمكن للمسلم إذا اتبعها أن يزداد اعتياداً ومواظبة على صلاة الفجر مع الجماعة ، فمن ذلك :
1-التبكير في النوم : ففي الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكره النوم قبل صلاة العشاء والحديث بعدها ، فلا ينبغي للمسلم أن ينام قبل صلاة العشاء والمُشاهد أن غالب الذين ينامون قبل العشاء يمضون بقية ليلتهم في خمول وكدر وحال تشبه المرضى .
ولا ينبغي كذلك أن يتحدث بعد صلاة العشاء ، وقد بين أهل العلم سبب كراهية الحديث بعدها فقالوا : لأنه يؤدي إلى السهر ، ويُخاف من غلبة النوم عن قيام الليل ، أو عن صلاة الصبح في وقتها الجائز أو المختار أو الفاضل .
والمكروه من الحديث بعد صلاة العشاء كما قال الشراح : هو ما كان في الأمور التي لا مصلحة راجحة فيها ، أما ما كان فيه مصلحة وخير فلا يكره ، كمدارسة العلم ، ومعرفة سير الصالحين وحكايتهم ، ومحادثة الضيف ، ومؤانسة الزوجة والأولاد وملاطفتهم ، ومحادثة المسافرين بحفظ متاعهم وأنفسهم ، إلى آخر ذلك من الأسباب المباحة . فما الحال إذا تفكرنا فيما يسهر من أجله كثير من الناس اليوم من المعاصي والآثام إذن فعلى المسلم أن ينام مبكراً ، ليستيقظ نشيطاً لصلاة الفجر ، وأن يحذر السهر الذي يكون سبباً في تثاقله عن صلاة الفجر مع الجماعة .
حقاً إن الناس يتفاوتون في الحاجة إلى النوم ، وفي المقدار الذي يكفيهم منه ، فلا يمكن تحديد ساعات معينة يُفرض على الناس أن يناموا فيها ، لكن على كل واحد أن يلتزم بالوقت الكافي لنوم يستيقظ بعده لصلاة الفجر نشيطاً ، فلو علم بالتجربة والعادة أنه لو نام بعد الحادية عشر ليلاً مثلاً لم يستيقظ للصلاة ، فإنه لا يجوز له شرعاً أن ينام بعد هذه الساعة .. وهكذا .
2- الحرص على الطهارة وقراءة الأذكار التي قبل النوم ، فإنها تعين على القيام لصلاة الفجر .
3- صدق النية والعزيمة عند النوم على القيام لصلاة الفجر ، أما الذي ينام وهو يتمنى ألا تدق الساعة المنبهة ، ويرجو ألا يأتي أحد لإيقاظه ، فإنه لن يستطيع بهذه النية الفاسدة أن يصلي الفجر ، ولن يفلح في الاستيقاظ لصلاة الفجر وهو على هذه الحال من فساد القلب وسوء الطوية .
4- ذكر الله تعالى عند الاستيقاظ مباشرة ، فإن بعض الناس قد يستيقظ في أول الأمر ، ثم يعاود النوم مرة أخرى ، أما إذا بادر بذكر الله أول استيقاظه انحلت عقدة من عُقد الشيطان ، وصار ذلك دافعاً له للقيام ، فإذا توضأ اكتملت العزيمة وتباعد الشيطان ، فإذا صلّى أخزى شيطانه وثقل ميزانه وأصبح طيب النفس نشيطاً .
5- لا بد من الاستعانة على القيام للصلاة بالأهل والصالحين ، والتواصي في ذلك ، وهذا داخل بلا ريب في قوله تعالى : ( وتعاونوا على البر والتقوى ) وفي قوله ( والعصر إن الإنسان لفي خسر ، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر )
فعلى المسلم : أن يوصي زوجته مثلاً بأن توقظه لصلاة الفجر ، وأن تشدد عليه في ذلك ، مهما كان متعباً أو مُرهقاً ، وعلى الأولاد أن يستعينوا بأبيهم مثلاً في الاستيقاظ ، فينبههم من نومهم للصلاة في وقتها ، ولا يقولن أب إن عندهم اختبارات ، وهم متعبون ، فلأدعهم في نومهم ، إنهم مساكين ، لا يصح أن يقول ذلك ولا أن يعتبره من رحمة الأب وشفقته ، فإن الرحمة بهم والحدَبَ عليهم هو في إيقاظهم لطاعة الله : ( وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها )
وكما يكون التواصي والتعاون على صلاة الفجر بين الأهل ، كذلك يجب أن يكون بين الإخوان في الله ، فيعين بعضهم بعضاً ، مثل طلبة الجامعات الذين يعيشون في سكن متقارب ومثل الجيران في الأحياء ، يطرق الجار باب جاره ليوقظه للصلاة ، ويعينه على طاعة الله .
6- أن يدعو العبد ربه أن يوفقه للاستيقاظ لأداء صلاة الفجر مع الجماعة ؛ فإن الدعاء من أكبر وأعظم أسباب النجاح والتوفيق في كل شيء .
7- استخدام وسائل التنبيه ، ومنها الساعة المنبهة ، ووضعها في موضع مناسب ، فبعض الناس يضعها قريباً من رأسه فإذا دقت أسكتها فوراً وواصل النوم ، فمثل هذا يجب عليه أن يضعها في مكان بعيد عنه قليلاً ، لكي يشعر بها فيستيقظ .
ومن المنبهات ما يكون عن طريق الهاتف ، ولا ينبغي للمسلم أن يستكثر ما يدفعه مقابل هذا التنبيه ، فإن هذه نفقة في سبيل الله ، وأن الاستيقاظ لإجابة أمر الله لا تعدله أموال الدنيا .
8- نضح الماء في وجه النائم ، كما جاء في الحديث من مدح الرجل الذي يقوم من الليل ليصلي ، ويوقظ زوجته ، فإن أبت نضح في وجهها الماء ، ومدح المرأة التي تقوم من الليل وتوقظ زوجها ، فإن أبى نضحت في وجهه الماء رواه الإمام أحمد في المسند 2/250 وهو في صحيح الجامع 3494 .
فنضح الماء من الوسائل الشرعية للإيقاظ ، وهو في الواقع منشط ، وبعض الناس قد يثور ويغضب عندما يوقظ بهذه الطريقة ، وربما يشتم ويسب ويتهدد ويتوعد ، ولهذا فلا بد أن يكون الموقظ متحلياً بالحكمة والصبر ، وأن يتذكر أن القلم مرفوع عن النائم ، فليتحمل منه الإساءة ، ولا يكن ذلك سبباً في توانيه عن إيقاظ النائمين للصلاة .
9- عدم الانفراد في النوم ، فلقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يبيت الرجل وحده رواه الإمام أحمد في المسند 2/91 وهو في السلسلة الصحيحة رقم 60 . ولعل من حِكم هذا النهي أنه قد يغلبه النوم فلا يكون عنده من يوقظه للصلاة .
10- عدم النوم في الأماكن البعيدة التي لا يخطر على بال الناس أن فلاناً نائماً فيها ، كمن ينام في سطح المنزل دون أن يخبر أهله أنه هناك ، وكمن ينام في غرفة نائية في المنزل أو الإسكان الجماعي فلا يعلم به أحد ليوقظه للصلاة ، بل يظن أهله وأصحابه أنه في المسجد ، وهو في الحقيقة يغّط في نومه .
فعلى من احتاج للنوم في مكان بعيد أن يخبر من حوله بمكانه ليوقظوه .
11- الهمة عند الاستيقاظ ، بحيث يهب من أول مرة ، ولا يجعل القيام على مراحل ، كما يفعل بعض الناس الذين قد يتردد الموقظ على أحدهم مرات عديدة ، وهو في كل مرة يقوم فإذا ذهب صاحبه عاد إلى الفراش ، وهذا الاستيقاظ المرحلي فاشل في الغالب ، فلا مناص من القفزة التي تحجب عن معاودة النوم .
12- ألا يضبط المنبه على وقت متقدم عن وقت الصلاة كثيراً ، إذا علم من نفسه أنه إذا قام في هذا الوقت قال لنفسه : لا يزال معي وقت طويل ، فلأرقد قليلاً ، وكل أعلم بسياسة نفسه .
13- إيقاد السراج عند الاستيقاظ ، وفي عصرنا الحاضر إضاءة المصابيح الكهربائية ، فإن لها تأثيراً في طرد النعاس بنورها .
14- عدم إطالة السهر ولو في قيام الليل ، فإن بعض الناس قد يطيل قيام الليل ، ثم ينام قبيل الفجر بلحظات ، فيعسر عليه الاستيقاظ لصلاة الفجر ، وهذا يحدث كثيراً في رمضان ، حيث يتسحرون وينامون قُبيل الفجر بقليل ، فيضيعون صلاة الفجر ، ولا ريب أن ذلك خطأ كبير ؛ فإن صلاة الفريضة مقدمة على النافلة ، فضلاً عمن يسهر الليل في غير القيام من المعاصي والآثام ، أو المباحات على أحسن الأحوال ، وقد يزين الشيطان لبعض الدعاة السهر لمناقشة أمورهم ثم ينامون قبل الفجر فيكون ما أضاعوا من الأجر أكثر بكثير مما حصلوا .
15- عدم إكثار الأكل قبل النوم فإن الأكل الكثير من أسباب النوم الثقيل ، ومن أكل كثيراً ، تعب كثيراً ، ونام كثيراً ، فخسر كثيراً ، فليحرص الإنسان على التخفيف من العشاء .
16- الحذر من الخطأ في تطبيق سنة الاضطجاع بعد راتبة الفجر ، فربما سمع بعض الناس قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إذا صلّى أحدكم فليضطجع على يمينه ) رواه الترمذي رقم 420 وهو في صحيح الجامع 642 . وما ورد من أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا صلّى سنة الفجر يضطجع ، ثم يُؤذنه بلال للصلاة ، فيقوم للصلاة ، وربما سمعوا هذه الأحاديث ، فعمدوا إلى تطبيق هذه السنة الثابتة ، فلا يحسنون التطبيق ، بحيث يصلي أحدهم سنة الفجر ، ثم يضطجع على جنبه الأيمن ، ويغط في سبات عميق حتى تطلع الشمس ، وهذا من قلة الفقه في هذه النصوص ، فليست هذه الاضطجاعة للنوم ، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يؤذنه بلال للصلاة وهو مضطجع ، وكان أيضاً كما في الحديث الصحيح الذي رواه أحمد وابن حبان إذا عرس ( قبل ) الصبح وضع رأسه على كفه اليمنى ، وأقام ساعده رواه أحمد في المسند 5/298 وهو في صحيح الجامع رقم 4752 ، وهذه الكيفية في النوم تمنع من الاستغراق ؛ لأن رأس النائم في هذه الحالة يكون مرفوعاً على كفه وساعده ، فإذا غفا سقط رأسه ، فاستيقظ ، زد على ذلك أن بلالاً كان موكلاً بإيقاظه صلى الله عليه وسلم لصلاة الفجر .
17- جعل قيام الليل في آخره قبيل الفجر ، بحيث إذا فرغ من الوتر أذن للفجر ، فتكون العبادات متصلة ، وتكون صلاة الليل قد وقعت في الثلث الأخير - وهو زمان فاضل – فيمضي لصلاة الفجر مباشرة وهو مبكر ونشيط .
18- اتباع الهدي النبوي في كيفية الاضطجاع عند النوم ، بحيث ينام على جنبه الأيمن ، ويضع خده الأيمن على كفه اليمنى ، فإن هذه الطريقة تيسر الاستيقاظ ، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم بخلاف النوم بكيفيات أخرى ، فإنها تؤثر في صعوبة القيام .
19- أن يستعين بالقيلولة في النهار ، فإنها تعينه ، وتجعل نومه في الليل معتدلاً ومتوازناً .
20- ألا ينام بعد العصر ، ولا بعد المغرب ، لأن هاتين النومتين تسببان التأخر في النوم ، من تأخر نومه تعسر استيقاظه .
21- وأخيراً فإن الإخلاص لله تعالى هو خير دافع للإنسان للاستيقاظ للصلاة ، وهو أمير الأسباب والوسائل المعينة كلها ، فإذا وجد الإخلاص الذي يلهب القلب ويوقظ الوجدان ، فهو كفيل بإذن بإيقاظ صاحبه لصلاة الصبح مع الجماعة ، ولو نام قبل الفجر بدقائق معدوادات .
ولقد حمل الإخلاص والصدق بعض الحريصين على الطاعة على استعمال وسائل عجيبة تعينهم على الاستيقاظ تدل على اجتهادهم وحرصهم وتفانيهم ، فمن ذلك أن أحدهم كان يضع عنده عدة ساعات منبهة إذا نام ، ويجعل بين موعد تنبيه كل واحدة والأخرى بضع دقائق ، حتى إذا أطفأ التي دقت أولاً دقت الثانية بعدها بقليل وهكذا ، وكان أحدهم يربط في يده عند النوم خيطاً ، ويدليه من نافذة غرفته ، فإذا مر أحد أصحابه ذاهباً إلى المسجد جذب هذا الخيط فيستيقظ لصلاة الفجر .
فانظر يا رعاك الله ماذا يفعل الإخلاص والتصميم ، ولكن الحقيقة المرة هي أن ضعف الإيمان ، وقلة الإخلاص تكاد تكون ظاهرة متفشية في الناس اليوم ، والشاهد على ذلك ما نراه من قلة المصلين ونقص الصفوف في صلاة الفجر ، بالرغم من كثرة الساكنين حول المسجد في كثير من الأحياء .
على أننا لا ننكر أن هناك أفراداً يكون ثقل النوم عندهم أمراً مرضياً قد يُعذرون به ، لأنه أمر خارج عن الإرادة فمثل هذا عليه أن يلجأ إلى الله بالتضرع ، ويستفيد ما استطاع من الوسائل الممكنة ، وأن يراجع الطبيب لمحاولة إيجاد علاج .
وأخيراً هذا تنبيه على أمر مشتهر بين الناس وهو زعمهم بأن هناك حديثاً مفاده أنّ من أراد الاستيقاظ لصلاة الفجر فعليه أن يقرأ قبل النوم آخر سورة الكهف ، وينوي بقلبه القيام في ساعة معينة ، فيقوم ، ويزعمون أن ذلك مجرب ، ونقول لهم : إنه لم يثبت بذلك حديث ، فلا عبرة به ، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم .
كثرة الضحك
وهذه شكوى من ظاهرة كثرة الضحك بين الناس ، وبخاصة الشباب يقول السائل :
مجالسنا التي نجلس فيها مع الإخوان والزملاء يكثر فيها الضحك كثرة مفرطة ، وهذه الظاهرة تتفشى وتنتشر فما هو العلاج ؟ .
الجواب : إن علاج هذه الشكوى يأتي من جانبين : جانب علمي ، وجانب عملي .
أما الجانب العلمي : فيضمن أمرين :
أولها : أن نعلم كيف كان هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الضحك ، فهو خير قدوة في ذلك وفي كل شيء .
فقد ورد في الحديث الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم ان لا يضحك إلا تبسماً رواه أحمد في المسند 5/97 وهو في صحيح الجامع 4861 . في الحديث الآخر أنه صلى الله عليه وسلم كان طويل الصمت قليل الضحك . رواه أحمد في المسند 5/86 وهو في صحيح الجامع 4822 . وقالت عائشة رضي الله عنها : ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قط مستجمعاً ضاحكاً ، حتى أرى منه لهواته وإنما كان يتبسم . رواه أبو داود رقم 5098
ففي الحديث الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم قال : ( لا تكثروا الضحك ، فإن كثرة الضحك تميت القلب ) رواه ابن ماجه رقم 4193 وهو في السلسلة الصحيحة رقم 506 . وفي رواية : ( فإن كثرة الضحك فساد القلب ) وإن من التفريط بعد ذلك أن يركب المسلم ثبجاً يعلم أن فيه العطب .
هذا هو الجانب العملي في الحل بإيجاز .
وقبل الدخول في الجانب العملي لا بد أن نعلم أن الضحك ليس أمراً محرماً أو أن المسلم لا بد أن يكون عبوساً خشناً مكفهر الوجه ؛ فإن الضحك أمر جبلي طبعي : ( وأنه هو أضحك وأبكى ) ولكن المشكلة التي نحن بصدد علاجها والتحذير من آثارها .
- هي أن تكون المجالس مدوية بالقهقهات المتجاوبة .
- هي أن يُفسد المؤمن قلبه بكثرة الضحك وفغر الفم ، بدلاً من أن يكون جاداً سليماً .
- هي أن يجعل الداعية كثرة إضحاك الناس وسيلة كما يزعم لكسب الناس ، من أجل التأثير عليهم وإفادتهم ، وما علم أنهم يلتفون حوله ليضحكوا فقط ، وما أقل استفادتهم منه .
إن المشكلة هي أن يجعل بعض الناس كثرة الضحك متنفساً له من همومه وكروبه ، مستبدلاً الذي هو أدنى بالذي هو خير ، أذكر أن شاباً كان يعاني يوماً من هموم تخلفه في دراسته ، ومشكلاته مع أهله ، وغير ذلك ، فخرج من بيته ، فصادفه في الطريق أخ له ، فقال : أين أنت ذاهب ؟ فقال : أنا مهموم مغموم ، وسأذهب إلى فلان الفلاني ، لكي يضحكني وينسيني أحزاني .. هكذا قال ، وما شعر أن إضحاك هذا الشخص له إنما هو بمثابة المخدر ، يُنسي المرء أتراحه ما دام تحت تأثيره ، فإذا انتهى عادت إليه كما كانت .
وكان خليقاً ألا يغفل عن العلاج النبوي للهم والحزن والكرب ، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر صلّى صحيح الجامع 4703 وكان إذا كربه أمر قال : ( يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث ) صحيح الجامع 4777 وفي الحديث الصحيح الآخر : كان إذا نزل به هم أو غم قال : ( يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث ، الله ربي ولا أشرك به شيئاً ) صحيح الجامع 4791 .
وفي دعاء الهم والغم المشهور : ( اللهم إني عبدك ، وابن عبدك ، وابن أمتك .. الخ الحديث )
وهذه وطاءة لابد من الإلمام بها قبل الخوض في الجانب العملي في مداواة ظاهرة الإفراط في الضحك ، ذلك الجانب الذي يمكن تحقيقه بوسائل منها :
1- تذكر الموت ، والقبر ، واليوم الآخر ، وما فيه من الحساب ، الصراط والنار ، وسائر الأهوال ، وتربية هذا التذكر بتدبر النصوص التي تصور هذه المشاهد ، وبالقراءة في شرح تفاصيلها ، وبمجالسة أهل الزهد والقلوب اللينة .
2- التأمل في واقع المسلمين ، وما يعانون منه من ابتعاد عن الدين ، وتخلف في جميع المجالات ، وما يتعرضون له من قهر وإيذاء وإبادة شرسة ، وما يحاك حولهم من تآمر عالمي ، فإذا تأمل المسلم هذه الأحوال تأملاً عميقاً صادقاً ، فلا بد أن يكون له أثر في ضحكه وبكائه .
3- أن يستشعر ثقل الأمانة الملقاة على عاتقه تجاه أمته ، فإن أمته تتطلب جهوداً ضخمة لإنقاذهما من أوهاق التردّي والسقوط ، فإذا جعل هذا الأمر همه فإنه سيمضي شُعلة من النشاط لإصلاح أهله وأصدقائه وأحبابه ومجتمعه بقدر المستطاع ، ولن يجد وقتا للتهريج المقيت ، والضحك الكثير والاهتمامات التافهة .
4- تجنب مخالطة الشخصيات الهزلية المعروفة بكثرة الإضحاك والتهريج ، والابتعاد عن المجالس التي تكون فيها ، مع محاولة النصح لهم ولمجالسيهم .
ومرت قبل قليل إشارة إلى أن بعض الدعاة قد يجعل الإضحاك وسيلة لكسب الناس ، حتى قال بعض العامة أين الشيخ الذي يضحك ؟ نريد الشيخ الذي يضحك وهذه دركة نربأ بالأمة أن تهوي فيها ، فإن دين الله عظيم متين : ( إنه لقول فصل وما هو بالهزل ) ( خذوا ما آتيناكم بقوة ) وفي الحديث : ( لو تعلمون ما أعلم ؟ لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً ، ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله ) لو أننا أدركنا حق الإدراك ماذا يراد منا ، وماذا أمامنا ، لما اكتحلت أجفاننا بنوم هنيء .
5- أن يجتهد في رد الضحك ما استطاع عن نفسه وعن غيره فقد يجتمع المجلس مع القوم تعودوا أن يكون غالب وقتهم ضحكاً وقهقهة ، فعليه أولاً أن يكظم الضحك عن نفسه كما يرد التثاؤب ، وثانياً أن يرشد الحاضرين ويُعينهم على أنفسهم ، وهذا يحتاج إلى رجل جاد حازم لبق ، والناس ولله الحمد فيهم خير كثير ، واستعداداً للاستجابة لداعي الإصلاح والتقويم ، وهذا الإرشاد يمكن أن تُسلك إليه سبل مختلفة : كأن تذكر لهم مساوئ الضحك والإضحاك ، مثل أنه يقود إلى الكذب والاختلاق ، حيث يضطر "المهرج" إذا لم يجد قصة أو حادثة حقيقة إلى صناعة قصص من نسج الخيال ، ليجعلها مادة للإضحاك ، وهذا الشخص قد توعده النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ( ويل للذي يحدث فيكذب ليضحك القوم .. ويل له ، ويل له ) صحيح الجامع 7136 . كما أن من مساوئه أنه يؤدي إلى اهتزاز الشخصية وسقوطها من الأعين ، فإن مُضحك القوم وإن ظهر له أنه ذو مكانة بينهم ليس إلا محتقراً لديهم ، ولا يقدرونه ولا يوقرونه ، وقل مثل ذلك في الذي لا تراه إلا مغرقاً من الضحك .
6- تغيير الموضوع الذي قاد إلى الضحك إلى موضوع آخر مفيد ، فإذا رأيت أن الحاضرين قد تجاوزوا حدّ الاعتدال في الضحك ، وأسلموا قيادهم لدواعيه ، فتسلل إلى قلوبهم بالأسلوب المناسب ، لنقلهم إلى عالم الجد واستثمار الوقت ؛ بقراءة في كتاب نافع ، أو بطرح موضوع مهم للنقاش وإبداء الآراء ، أو دعوة للاتفاق على عمل إصلاحي خيري ، أو غير هذا أو ذاك من الأمور التي يحبها الله ويرضاها .
7- فإذا بلغ السيل الزبى ، وجاوز الأمر حده ، بأن أبى الجالسون إلا الإغراق في الضحك ، والمضي في طريق الغفلة ، فإن آخر العلاج الكي ، قم من المجلس وفارقه ، حماية لنفسك ، ووقاية لقلبك من الفساد ، بعد أن أديت ما عليك من واجب التوجيه والنصح ، ( ولا تزر وازرة وزر أخرى )
الوساوس الشيطانية
وهذا سائل يقول :
إنني أشكو من كثرة الوساوس المتعلقة بذات الله عز وجل ، تطوف بخاطري أفكار لا أستطيع أن أذكرها ، لأنها لا تليق بالله سبحانه ولكني أعاني من ترددها على ذهني كثيراً ، في الصلاة وخارج الصلاة ، حتى شككت في إيماني ، وارتبت هل أنا مسلم أو لا ، فما علاج هذه المصيبة ؟ .
الجواب : الحمد لله حمداً كثيراً وبعد :
فقد وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم جملة أحاديث فيها حل هذه المشكلة ، وعلاج هذه الشكوى ولله الحمد :
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( إن الشيطان يأتي أحدكم فيقول فمن خلق الله فإذا وجد أحدكم ذلك فليقل آمنت بالله ورسله فإن ذلك يذهب عنه ) صحيح الجامع 1657 . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن الشيطان يأتي أحدكم فيقول : من خلق السماء ؟ فيقول : الله ، فيقول : من خلق الأرض ؟ فيقول : الله ، فيقول : من خلق الله ؟ فإذا وجد ذلك أحدكم فليقل : آمنت بالله ورسوله ) صحيح الجامع 1656 .
وقال صلى الله عليه وسلم : ( من وجد من هذا الوسواس ، فليقل : آمنت بالله ورسوله ثلاثاً فإن ذلك يذهب عنه ) صحيح الجامع 6587 .
وقال عليه الصلاة والسلام : ( يأتي الشيطان أحدكم ، فيقول : من خلق كذا ؟ من خلق كذا ؟ حتى يقول : من خلق ربك ؟ فإذا بلغه فليستعذ بالله ولينته ) صحيح الجامع 7993 .
وقال صلى الله عليه وسلم : ( يوشك الناس يتساءلون ، حتى يقول قائلهم : هذا الله خلق الخلق ، فمن خلق الله ؟ فإذا قالوا ذلك ؛ فقولوا : الله أحد ، الله الصمد ، لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفواً أحد ثم ليتفل عن يساره ثلاثاً ، وليستعذ من الشيطان ) صحيح الجامع 8182 .
وقال صلى الله عليه وسلم : ( تفكروا في آلاء الله ، ولا تفكروا في الله ) صحيح الجامع 2975 . وقال صلى الله عليه وسلم : ( تفكروا في خلق الله ، ولا تفكروا في الله ) صحيح الجامع 2976 .
من هذه النصوص نستطيع أن نستخلص ست وسائل للتغلب على هذه الوساوس والأفكار :
1- أن يقول المرء إذا انتابته هذه الخواطر : آمنت بالله ورسوله .
2- أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم ، فيقول مثلاً : ( أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم ، من همزه ونفخه ونفثه ) .
3- أن يتفل عن يساره ثلاثاً .
4- أن ينتهي عما هو فيه ، كما قال صلى الله عليه وسلم : " ولينته " ، وهذه وسيلة مهمة ؛ فإن الاستطراد مع الشيطان في هذه الوساوس يزيد نارها اشتعالاً وضراماً ، والواجب أن يقطع المسلم هذه الخواطر بقدر المستطاع ، وأن يشغل ذهنه بالمفيد النافع .
5- أن يقرأ سورة الإخلاص ( قل هو الله أحد ) فإن فيها ذكر صفات الرحمن ، ولذلك كانت تعدل ثلث القرآن ، وقراءة هذه السورة العظيمة وتدبرها كفيل بقطع هذه الوساوس .
6- أن يتفكر الإنسان في خلق الله ، وفي نعم الله ، ولا يتفكر في ذات الله ، لأنه لن يصل بعقله القاصر إلى تصور ذات الله ، قال تعالى : ( ولا يحيطون به علماً )
السهر
وهذه شكوى من مشكلة السهر ، وعدة أسئلة تدعو إلى حل هذه المشكلة ، فإن كثيراً من الناس يضيعون أوقاتاً طويلة جداً في السهر .
والجواب : إن السهر ليس نوعاً واحداً ، وإنما ينقسم إلى ثلاثة أقسام :
القسم الأول : السهر في طاعة الله تعالى وهو سهر محمود ، ومنه السهر في مصالح المسلمين العامة ، كالجهاد والرباط في الثغور ، ومنه السهر في إحياء الليل بالقيام وتلاوة القرآن : ( كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون ، وبالأسحار هم يستغفرون )
ولا ننسى في هذا المقام الصحابي الجليل الذي كان يحرس المسلمين ليلاً ، ويقضي وقت الحراسة في الصلاة ، فرُمي بسهم من المشركين ، فأصابه السهم ، فأخذ دمه يسيل ، وهو مع ذلك ماض في صلاته يتلذذ بمناجاة ربه الكريم .
وورد عن بعض أهل العلم أنهم تذاكروا الحديث حتى طلع الفجر ولقد كان الدعاة المخلصون ولا زالوا يسهرون الليل في مناقشة الأمور التي تؤرق الغيورين على الأمة ، وتقض مضاجعهم ، وتطرد الوسن عن عيونهم ، ومن ذلك مثلاً ما كان يجري بين الشيخين : عبد الحميد بن باديس والبشير الإبراهيمي ، مؤسس جمعية العلماء المسلمين بالجزائر ، فقد كانا في فترة وجودهما في المدينة يسهران الليل كله إلى الفجر ، يناقشان أوضاع الأمة الإسلامية ، وما تردت إليه من البدع والخرافات والتخلف ، ويخططان لانتشال المجتمع الجزائري من هذا التردي .
هذا النوع من السهر سهر محمود كله ، إذا لم يؤد إلى تضييع مصلحة راجحة أو واجب شرعي أعلى منه ، فإن بعض الناس قد يسهرون في أمر شرعي ، ثم تفوتهم صلاة الفجر ، وهذا خطأ وخلل .
القسم الثاني : السهر المباح : وهو ما كان على أمر مباح ، شريطة ألا يؤدي إلى تضيع واجب ، فمن ذلك مثلاً محادثة المسافرين لبعضهم لتهوين مشقة السفر على أنفسهم ، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتكلم مع بعض نسائه ، يؤانسها وهو في طريق سفر .
ومنه مسامرة الضيف ومؤانسته بالحديث .
ومنه سهر كثير من الناس اليوم في أعمالهم الليلة ، في هذه النوبات التي أوجدتها الأحوال المادية ولا ريب أن بعض مصالح المسلمين تقتضي أن يكون هناك من يعمل ليلاً ، كالعمل في الأمن ، والمستشفيات ، والمطارات ، والكهرباء ، وغير ذلك .
القسم الثالث : السهر في معصية الله عز وجل كالسهر في مشاهدة الأفلام ، والألعاب المحرمة كلعب الورق ، أو في أكل لحوم الناس بالغيبة والشتائم والبهتان وما شابه ذلك من أنواع المعاصي .
وهذا السهر محرم ، يأثم أصحابه ويستحقون العقوبة من الله ، وقد كثروا في هذا الزمان ؛ لأسباب بعضها مذكور في قول الشاعر :
إن الشباب والفراغ والجدَه مفسدة للمرء أيّ مفسده
هذه هي أقسام السهر الثلاثة ، فيجب أن نفرق بين كل قسم والآخر .
وفي زماننا هذا انتشر السهر لأسباب منها :
1- السهر للمصالح الدنيوية ، مثل سهر بعض التجار في تدبير أمور تجارتهم ، وسهر بعض الطلاب في مذاكرة المقررات الدراسية ، وينبغي لهؤلاء ومن شاكلهم أن يجتهدوا في ترتيب أوقاتهم ترتيباً يُغنيهم عن السهر المؤدي إلى المفاسد .
2- طبيعة العصر الحاضر التي غيرت الأوضاع الاجتماعية ، فلئن كان القدماء يشرعون في الهدوء والهجعة منذ حلول الظلام ، فإن وجود الكهرباء في عصرنا يحمل الناس على أن يمارسوا كثيراً من الأنشطة والأعمال والعلاقات التي لم يكونوا ليمارسوها في الظلام ، حتى لقد أصبح ليل بعض الناس كنهارهم .
3- انصراف كثير من الناس إلى ما يبث من برامج وفنون في وسائل الإعلام المختلفة : من إذاعة وتلفاز ، وما يسمى الفيديو وغيره .
4- جعل أكثر الناس زياراتهم وبرامجهم وعلاقاتهم العائلية وغير العائلية في الليل بسبب طبيعة الأعمال والدراسة ، فأصبحت تجد من النادر أن يزورك أحد في النهار ، إلا في عطلة الأسبوع ، وحتى مجالس العلم صار كثير منها يقام بعد صلاة العشاء .
5- انهماك بعض الناس في الثرثرة والأحاديث المتداعية الطويلة ، وربما أزعجوا الآخرين بثرثرتهم وضحكاتهم ، ولعل انتشار هذه الظاهرة في أوساط الطلاب في الإسكانات الجامعية أكثر وضوحاً ، حيث يقوم بعض الضيوف الثقلاء بزيارتهم في سكنهم ، ويمضون معهم الليل في القيل والقال ، ويلحقون الضرر بأنفسهم وبغيرهم ، ثم يضيعون كثيراً من الواجبات .
6- الأرق : والأرق يسببه في كثير من الأحيان مقارفة المعاصي والبعد عن الله تعالى ، فإن البعيد عن ربه لا يمكن أن يذوق الطمأنينة والأنس ، وإنما هو في قلق دائم ووحشة واضطراب .
كما أن للمشكلات العائلية والمادية والدراسية والعملية وغيرها أثراً بارزاً في إحداث القلق والأرق لدى الشخص حتى تنجلي أسبابها .
على أننا لا ننكر أن هناك من يحرمه الأرق من لذيذ الكرى بسبب خوفه من الله ، وحرصه على صلاح أمته الأسيرة .
وبعد استعراض أقسام السهر وأبرز أسبابه ، نتجه لبيان الأسباب المعينة على علاج هذه الشكوى التي أصبحت وباء فاشياً .
وعلاجها من الناحية العلمية التأملية : أن يتفكر المرء في ما يترتب على السهر من الأضرار الجسمية ، وتفويت المصالح العظيمة ، فمن ذلك :
1- تضييع الواجبات الشرعية ، مثل تضييع صلاة الفجر كما أسلفنا إما بالتخلف عن الجماعة ، أو بقضائها في غير وقتها ، أو بأدائها مع الجماعة لكن دون خشوع وإحساس بسبب الإعياء الشديد الذي يجعله يصارع النعاس ولا يفقه من صلاته شيئاً ، فلا يدري ما قرأ الإمام ، ولا في أي ركعة هو ، ولا يتدبر ما يقوله في سجوده وركوعه وقيامه وقعوده ، ولذلك نهى رسول صلى الله عليه وسلم عن الحديث بعد صلاة العشاء .
2- الأضرار الجسدية : ذلك أن جعل الليل للحركة والنهار للسكون مصادم للطبيعة التي خلقها الله في الأرض والنفوس : ( وجعلنا الليل لباساً وجعلنا النهار معاشاً ) ( قل أرأيتم إن جعل الله عليكم الليل سرمداً إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بضياء ) ( قل أرأيتم إن جعل الله عليكم النهار سرمداً إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه … )
ولهذا فإننا نجد القوم الذين تنكبوا الصراط ، وخالفوا الفطرة ، في حالة صحية سيئة مضطربة ، وإن نوم ساعة من الليل قد يعدل نوم ضعفها في غيره ، كما هو مجرب ومشاهد .
3- تقصير كثير من الموظفين في أعمالهم ، بحيث يأتي الموظف إلى عمله منهكاً متأخراً ، فيكون أداؤه ضعيفاً ، وتعامله مع المراجعين سيئاً ، وربما كان في بعض راتبه شبهة بسبب تقصيره في عمله .
وقل مثل ذلك في شأن الطلاب الذين يسهرون ، ثم يأتون للمدرسة أو الجامعة متأخرين ، وقد ضربوا بالمحاضرات الأولى عرض الحائط ، ثم يجلس أحدهم كرسياً على كرسي ، لا يستوعب معلومة ، ولا ينتبه لشرح .
4- أنه يؤدي إلى النوم في غير وقت النوم ، فينام السهران مثلاً بعد العصر ، والنوم بعد العصر لغير الحاجة كرهه السلف ، أما الحاجة فلا بأس به . ثم إن هذا يسبب صداعاً وتفويتاً لوقت حيوي من اليوم .
5- أنه يعيق عن بعض العبادات التطوعية ، فإحياء الثلث الآخر من الليل مثلاً ، كيف يستطيعه السهران ؟! والتسحر لصيام التطوع ، كيف يطيق الاستيقاظ له ؟! ولا شك أن الإعياء والإجهاد سيثنيه عن النهوض ، فيفوت على نفسه خيراً كثيراً .
6- فوات بركة البكور في أول النهار ، فإن الذين يسهرون ينامون بعد صلاة الفجر ، فيحرمون أنفسهم من الوقت الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم : ( بورك لأمتي في بكورها ) صحيح الجامع 2841 . ولا يقدرون على المكث في المسجد إلى طلوع الشمس لذكر الله ، ولا يخرجون إلى أرزاقهم مبكرين في وقت البركة والفضيلة ، وقد عم ذلك فينا ، حتى أصبحنا نرى من النادر أن يفتح تاجر متجره في وقت مبكر مثلاً .
إذا علم العاقل بهذه الأضرار الناجمة عن السهر ، وبفداحة الخسارة التي يمنى بها من جرائه ، فلا ريب أنه سيسعى سعياً حثيثاً لتصحيح وضعه ، واستدراك ما فاته ، وبذلك يكون قد وضع رجله في أول طريق العلاج .
وهذه إشارات إلى جوانب عملية في حل المشكلة يسترشد بها من يريد الوصول إلى ذلك العلاج :
1- بذل الوسع في تعويد النفس على النوم المبكر ، فإن السهر في الأصل عادة ، فإذا انبرى المرء لجهاد نفسه بحزم وبتصميم فإنه ينتصر عليها بإذن الله في بضعة أيام ويسير في ركاب المبكرين في النوم .
2- الزواج فإن كثيراً من الشباب العزاب غير منضبطين في حياتهم ، بل يسهرون معاً ، ويشجع بعضهم بعضاً على السهر ، إذ ليس وراءهم أولاد ولا زوجات ، أما المتزوج فإنه يشعر أن في عنقه مسؤولية زوجته وأولاده ، فيحرص على العودة إليهم مبكراً لئلا يقلقوا ، أو يخافوا أو يحتاجوا إليه في هجعة الليل ، وهو ليس في البيت ، ومن جرب عرف .
3- تنمية الإحساس بالمسؤولية في شتى المجالات التي تعينه ؛ فإن المرء يحس أن على كاهله حملاً لابد أن يؤديه ، لا يمكن أن يهدر وقته ويفرط فيه ، في حين نجد غير المبالي يبدد كنوز الأوقات في سفاسف الأمور ، ولا يقدرها قدرها .
4- تعويض الحاجة إلى النوم بالقيلولة ، بدلاً من النوم في غير أوقات النوم ، فإن النوم بعد العصر أو قبل العشاء مضر كما أسلفنا وقد أوصى عليه الصلاة أمته بقوله : ( قيلوا فإن الشياطين لا تقيل ) صحيح الجامع 4431 هذه بعض الوسائل العملية لعلاج مشكلة السهر ، والله الهادي إلى سواء السبيل .
سرعة الغضب
وهذه شكوى من شخص يقول : إنني شديد الانفعال ، سريع الغضب ، وإذا حصل لي استفزاز ، فسرعان ما أثور فأكسر وأشتم وألعن وأرمي بالطلاق وقد سببت لي هذه المشكلة حرجاً كبيراً ، وكرهني أكثر الناس ، حتى زوجتي وأولادي وأعز أصدقائي ، فماذا أفعل للتخلص من هذا الداء الوبيل وإطفاء هذه النار الشيطانية ؟ .
الجواب : الغضب نزعة من نزعات الشيطان ، يقع بسببه من السيئات والمصائب ما لا يعلمه إلا الله ، ولذلك جاء في الشريعة ذكر واسع لهذا الخلق الذميم ، وورد في السنة النبوية علاجات للتخلص من هذا الداء وللحد من آثاره ، فمن ذلك :
1- الاستعاذة بالله من الشيطان : عن سليمان بن صرد قال : كنت جالساً مع النبي صلى الله عليه وسلم ورجلان يستبان ، فأحدهما احمر وجهه وانتفخت أوداجه ( عروق من العنق ) فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إني لأعلم كلمة لو قالها ذهب عنه ما يجد ، لو قال أعوذ بالله من الشيطان ذهب عنه ما يجد ) . رواه البخاري ، الفتح 6/377 . وقال صلى الله عليه وسلم : ( إذا غضب الرجل فقال أعوذ بالله ، سكن غضبه ) صحيح الجامع الصغير رقم 695 .
2- السكوت : قال رسول صلى الله عليه وسلم : ( إذا غضب أحدكم فليسكت ) رواه الإمام أحمد المسند 1/239 ، وفي صحيح الجامع 693 ، 4027 . وذلك أن الغضبان يخرج عن طوره وشعوره غالباً فيتلفظ بكلمات قد يكون فيها كفر والعياذ بالله أو لعن أو طلاق يهدم بيته ، أو سب وشتم يجلب له عداوة الآخرين ، وبالجملة فالسكوت هو الحل لتلافي كل ذلك .
3- السكون : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس ، فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع ) .
وراوي هذا الحديث أبو ذر رضي الله عنه ، حدثت له في ذلك قصة : فقد كان يسقي على حوض له فجاء قوم فقال : أيكم يورد على أبي ذر ويحتسب شعرات من رأسه ؟ فقال رجل أنا فجاء الرجل فأورد عليه الحوض فدقه " أي كسره أو حطمه والمراد أن أبا ذر كان يتوقع من الرجل المساعدة في سقي الإبل من الحوض فإذا بالرجل يسيء في هدم الحوض " وكان أبو ذر قائماً فجلس ثم اضطجع فقيل له : يا أبا ذر لم جلست ثم اضطجعت ؟ قال فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم .. وذكر الحديث " الحديث بقصته في مسند أحمد 5/152 وانظر صحيح الجامع رقم 694 " . وفي رواية كان أبو ذر يسقي على حوض فأغضبه رجل فقعد .. فيض القدير المناوي 1/408 .
ومن فوائد هذا التوجيه النبوي منع الغاضب من التصرفات الهوجاء لأنه قد يضرب أو يؤذي بل قد يقتل كما سيرد بعد قليل وربما أتلف مالاً ونحوه ، ولأجل ذلك إذا قعد كان أبعد عن الهيجان والثوران ، وإذا اضطجع صار أبعد ما يمكن عن التصرفات الطائشة والأفعال المؤذية ، قال العلامة الخطابي رحمه الله في شرحه على أبي داود : ( القائم متهيئ للحركة والبطش والقاعد دونه في هذا المعنى ، والمضطجع ممنوع منهما ، فيشبه أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم إنما أمره بالقعود والاضطجاع لئلا يبدر منه في حال قيامه وقعوده بادرة يندم عليها فيما بعد ) . والله أعلم سنن أبي داود ، ومعه معالم السنن 5/141 .
4- حفظ وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم : عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم أوصني قال : لا تغضب ، فردد ذلك مراراً ، قال : لا تغضب رواه البخاري فتح الباري 10/465 .
وفي رواية قال الرجل : ففكرت حين قال النبي صلى الله عليه وسلم ما قال ، فإذا الغضب يجمع الشر كله . مسند أحمد 5/373
5- لا تغضب ولك الجنة حديث صحيح : صحيح الجامع 7374 ، وعزاه ابن حجر إلى الطبراني ، انظر الفتح 4/465
إن تذكر ما أعد الله للمتقين الذين يتجنبون أسباب الغضب ويجاهدون أنفسهم في كبته ورده لهو من أعظم ما يعين على إطفاء نار الغضب ، ومما ورد الأجر العظيم في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم : ( ومن كظم غيظاً ، ولو شاء أن يمضيه أمضاه ، ملأ الله قلبه رضاً يوم القيامة ) رواه الطبراني 12/453 وهو في صحيح الجامع 176 . وأجر عظيم آخر في قوله صلى الله عليه وسلم : ( من كظم غيظاً وهو قادر على أن يُنفذه ، دعاه الله عز وجل على رؤوس الخلائق يوم القيامة حتى يخيره من الحور العين ما شاء ) رواه أبو داود 4777 وغيره ، وحسنه في صحيح الجامع 6518 .
6- معرفة الرتبة العالية والميزة المتقدمة لمن ملك نفسه : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ليس الشديد بالصرعة ، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب ) رواه أحمد 2/236 والحديث متفق عليه وكلما انفعلت النفس واشتد الأمر كان كظم الغيظ أعلى في الرتبة ، قال عليه الصلاة والسلام : ( الصرُّعة كل الصرعة الذي يغضب فيشتد غضبه ويحمر وجهه ، ويقشعر شعره فيصرع غضبه ) رواه الإمام أحمد 5/367 ، وحسنه في صحيح الجامع 3859 . وينتهز عليه الصلاة والسلام الفرصة في حادثة أمام الصحابة ليوضح هذا الأمر ، فعن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بقوم يصطرعون ، فقال : ما هذا ؟ قالوا : فلان الصريع ما يصارع أحداً إلا صرعه قال : أفلا أدلكم على من هو أشد منه ، رجل ظلمه رجل فكظم غيظه فغلبه وغلب شيطانه وغلب شيطان صاحبه ) رواه البزار قال ابن حجر بإسناد حسن ، الفتح 10/519 .
7- التأسي بهديه صلى الله عليه وسلم في الغضب :
وهذه السمة من أخلاقه صلى الله عليه وسلم ، وهو أسوتنا وقدوتنا ، واضحة في أحاديث كثيرة ، ومن أبرزها : عن أنس رضي الله عنه قال : كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعليه برد نجراني غليظ الحاشية ، فأدركه أعرابي فجبذه بردائه جبذة شديدة ، فنظرت إلى صفحة عاتق النبي صلى الله عليه وسلم " أي ما بين العنق والكتف " وقد أثرت بها حاشية البرد ، ثم قال : يا محمد مر لي من مال الله الذي عندك ، فالتفت إليه النبي صلى الله عليه وسلم فضحك ، ثم أمر له بعطاء رواه البزار قال ابن حجر بإسناد حسن ، الفتح 10/519 .
ومن التأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم أن نجعل غضبنا لله ، وإذا انتهكت محارم الله ، وهذا هو الغضب المحمود فقد غضب صلى الله عليه وسلم لما أخبروه عن الإمام الذي يُنفر الناس من الصلاة بطول قراءته ، وغضب لما رأى في بيت عائشة ستراً فيه صور ذوات أرواح ، وغضب لما كلمه أسامة في شأن المخزومية التي سرقت ، وقال : أتشفع في حد من حدود الله ؟ وغضب لما سُئل عن أشياء كرهها ، وغير ذلك ، فكان غضبه صلى الله عليه وسلم لله وفي الله .
8- معرفة أن رد الغضب من علامات المتقين :
وهؤلاء الذين مدحهم الله في كتابه ، وأثنى عليهم رسوله صلى الله عليه وسلم ، وأعدت لهم جنات عرضها السماوات والأرض ، ومن صفات أنهم : ) ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين ) وهؤلاء الذين ذكر الله من حسن أخلاقهم وجميل صفاتهم وأفعالهم ، ما تشرئب الأعناق وتتطلع النفوس للحوق بهم ، ومن أخلاقهم أنهم : ( إذا ما غضبوا هم يغفرون ) .
9- التذكر عند التذكير :
الغضب أمر من طبيعة النفس يتفاوت فيه الناس ، وقد يكون من العسير على المرء أن لا يغضب ، لكن الصدِّيقين إذا غضبوا فذُكروا بالله ذكروا الله ووقفوا عند حدوده ، وهذا مثالهم .
عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رجلاً استأذن على عمر رضي الله عنه فأذن له ، فقال له : يا ابن الخطاب والله ما تعطينا الجزل " العطاء الكثير " ولا تحكم بيننا بالعدل فغضب عمر رضي الله عنه حتى هم أن يوقع به ، فقال الحر بن قيس ، وكان من جلساء عمر : يا أمير المؤمنين إن الله عز وجل قال لنبيه صلى الله عليه وسلم : ( خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين ) وإن هذا من الجاهلين ، فو الله ما جاوزها عمر رضي الله عنه حين تلاها عليه ، وكان وقافاً عند كتاب الله عز وجل رواه البخاري الفتح 8/304 . فهكذا يكون المسلم ، وليس مثل ذلك المنافق الخبيث الذي لما غضب أخبروه بحديث النبي صلى الله عليه وسلم وقال له أحد الصحابة تعوذ بالله من الشيطان ، فقال لمن ذكره : أترى بي بأس أمجنون أنا ؟ اذهب رواه البخاري فتح 1/465 نعوذ بالله من الخذلان .
10- معرفة مساويء الغضب :
وهي كثيرة مجملها الإضرار بالنفس والآخرين ، فينطلق اللسان بالشتم والسب والفحش وتنطلق اليد بالبطش بغير حساب ، وقد يصل الأمر إلى القتل ، وهذه قصة فيها عبرة .
عن علقمة بن وائل أن أباه رضي الله عنه حدثه قال : إني لقاعد مع النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاء رجل يقود آخر بنسعة " حبل مضفور " فقال : يا رسول الله هذا قتل أخي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أقتلته ؟ قال : نعم قتلته ، قال : وكيف قتلته ، قال : كنت أنا وهو نتخبط ( نضرب الشجر ليسقط ورقه من أجل العلف ) من شجرة ، فسبني فأغضبني فضربته بالفأس على قرنه ( جانب الرأس ) فقتلته .. إلى آخر القصة . رواه مسلم في صحيحه 1307 .
وقد يحصل أدنى من هذا فيكسر ويجرح ، فإذا هرب المغضوب عليه عاد الغاضب على نفسه ، فربما مزق ثوبه ، أو لطم خده ، وربما سقط صريعاً أو أغمي عليه ، وكذلك قد يكسر الأواني ويحطم المتاع .
ومن أعظم الأمور السيئة التي تنتج عن الغضب وتسبب الويلات الاجتماعية وانفصام عرى الأسرة وتحطم كيانها ، هو الطلاق ، واسأل أكثر الذين يطلقون نساءهم كيف طلقوا ومتى ، فسينبئونك : لقد كانت لحظة غضب .
فينتج عن ذلك تشريد الأولاد ، والندم والخيبة ، والعيش المر ، وكله بسبب الغضب ، ولو أنهم ذكروا الله ورجعوا إلى أنفسهم ، وكظموا غيظهم واستعاذوا بالله من الشيطان ما وقع الذي وقع ولكن مخالفة الشريعة لا تنتج إلا الخسار .
وما يحدث من الأضرار الجسدية بسبب الغضب أمر عظيم كما يصف الأطباء كتجلط الدم ، وارتفاع الضغط ، وزيادة ضربات القلب ، وتسارع معدل التنفس ، وهذا قد يؤدي إلى سكتة مميتة أو مرض السكري وغيره ، نسأل الله العافية .
11- تأمل الغاضب نفسه لحظة الغضب :
لو قدر لغاضب أن ينظر إلى صورته في المرأة حين غضبه لكره نفسه ومنظره ، فلو رأى تغير لونه ، وشدة رعدته ، وارتجاف أطرافه ، وتغير خلقته ، وانقلاب سحنته ، واحمرار وجهه ، وجحوظ عينيه وخروج حركاته عن الترتيب وأنه يتصرف مثل المجانين لأنف من نفسه ، واشمأز من هيئته ، ومعلوم أن قبح الباطن أعظم من قبح الظاهر ، فما أفرح الشيطان بشخص هذا حاله ! نعوذ بالله من الشيطان والخذلان .
12- الدعاء :
هذا سلاح المؤمن دائماً يطلب من ربه أن يخلصه من الشرور والآفات والأخلاق الرديئة ، ويتعوذ بالله أن يتردى في هاوية الكفر أو الظلم بسبب الغضب ، ولأن من الثلاث المنجيات : العدل في الرضا والغضب صحيح الجامع 3039 كان من دعائه عليه الصلاة والسلام : ( اللهم بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق أحيني ما علمت الحياة خيراً لي ، وتوفني إذا علمت الوفاة خيراً لي ، اللهم وأسألك خشيتك في الغيب والشهادة ، وأسألك كلمة الإخلاص في الرضا والغضب ، وأسألك القصد في الفقر والغنى وأسألك نعيماً لا ينفد ، وقرة عين لا تنقطع ، وأسألك الرضا بالقضاء ، وأسألك برد العيش بعد الموت ، وأسألك لذة النظر إلى وجهك والشوق إلى لقائك ، في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة ، اللهم زينا بزينة الإيمان واجعلنا هداة مهتدين ) . رواه النسائي في السنن 3/55 والحاكم وهو في صحيح الجامع 1301 . والحمد لله رب العالمين .
موقع الشيخ المنجد http://www.islam-qa.com