يردد الناس مقولة «إن العين تتكلم»، ولا شك أن العين تعبّر عن حال النفس وما يعتريها من مشاعر مختلفة، ولكن ذلك يحتاج إلى قارئ جيد للعيون يستطيع استنتاج الكثير من المعلومات من بريق العين، واتساع حدقتها، وتباعد جفنيها، واحمرار صلبتها.
وكذلك فإن الطبيب يستطيع قراءة الكثير من الأمراض الجسمية عن طريق تأمل شرايين شبكية العين فيشخص من نظرته تلك داءً سكرياً أو تصلباً في الشرايين أو …..
ولا ننسى طبعاً الرأرأة تلك الحركة الرقصية التي تقوم بها العين في ظروف مرضية خاصة، وكأنها تشير إلى الطبيب الحاذق على مكان الآفة المرضية وحجمها.
ولكن ما أريد أن أتكلم عنه في مقالتي هذه هو «كلام الأذن»، فالأذن تتكلم أيضاً كأختها العين، ولكن كيف؟
إن الوظيفة المعروفة للأذن منذ القديم أنها تستقبل الأصوات الخارجية وتحولها إلى إشارات كهربائية تسير في عصب السمع حتى تصل المراكز السمعية ومن ثم إلى قشر الدماغ، فيفهم الشخص محتوى وفحوى الكلام.
ولكن العلم بعجائبه التي لا تنتهي، والتي تدل على قدرة خارقة معجزة تقف وراء خلق الكون والإنسان، كشف أن الأذن إضافة إلى وظيفتها في استقبال الصوت فإنها تصدر أصواتاً إلى الخارج أيضاً.
ففي القسم الداخلي من الأذن والذي يسمى «الأذن الباطنة»، هناك مجموعة من الخلايا تصدر إشارات كهربائية بشكل مستمر، وتتحول هذه الإشارات إلى أصوات تُصدَّرُ إلى الوسط الخارجي. ولكن من رحمة الله بنا فإن كلام الأذن لا يسمع لأنه تحت مستوى الإحساس بالصوت، وإلا لسمع كل واحد منا في رأسه صوتاً يبث باستمرار، ولأصبحت الحياة جحيماً لا يطاق.
ولكن ماذا نستفيد من هذه المعرفة؟
خطا العلم خطوات قليلة في فهم هذه الظاهرة حتى الآن، ولكن ما تم استنتاجه يشرح فوائد كثيرة لهذه الظاهرة.
والحقيقة العلمية تقول: إنه طالما أن خلايا الأذن الباطنة تصدر هذه الأصوات فهذا يدل على أن الأذن بقسمها العصبي سليمة، وبالتالي فإن السمع ضمن الحدود الطبيعية.
وهذا الأمر يساعدنا في دراسة السمع عند المولودين حديثاً، فلو وضعنا جهازاً لاقطاً للأصوات في آذانهم واستطعنا التقاط الكلام الأذني (أو ما يسمى البث الصوتي الأذني) فهذا يدل على سلامة السمع لديهم، أما عندما تفقد الإشارة عند أحدهم فهناك شك كبير بوجود نقص سمع لديه ويجب أن يحول إلى دراسة سمعية دقيقة.
وكذلك فإن العاملين في مهن يكثر فيها ضجيج الآلات يتعرضون لنقص سمع تدريجي إن لم يتخذوا أسباب الحماية والوقاية، فإذا اختبرنا بث الأذن عندهم كل فترة، وكشفنا انقطاعه في مرحلة ما، فهذا يدل على تأذي السمع نتيجة الضجيج، وعلينا تحويلهم إلى أعمال إدارية بعيدة عن الضجيج حتى لا يفقدوا السمع مستقبلاً.
وهناك أمثلة كثيرة على جدوى دراسة مثل هذه الظاهرة، ولكنني أقول إن أهم نتيجة لهذه الدراسة هي شعور العبد بالخالق الذي أوجد لنا ألغازاً عظيمة في الإنسان وطلب منا العمل والجهد للوصول إلى حلها، وكلما وجدنا حلاً شعرنا بعظمة الخالق وقدرته المطلقة على الإبداع.
د. سامر سقا أميني
أخصائي في علم السمعيات